خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
3 مشترك
ألف ياء نت :: منتديات ألف ياء نت :: ألف ياء الأحداث والشخصيات التاريخية والمعاصرة :: ألف ياء الأحداث التاريخية والمعاصرة
صفحة 1 من اصل 1
خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
[justify]
في هذه المقالة سوف نتناول أهم المعطيات التاريخية طوال الحقبة التي تمتد من (عهد شيوخ آل بعير) وحتى (عهد ملوك آل سعود) الحالي ، حيث حدثت متغيرات اجتماعية جوهرية ، تمخضت عن العديد من التحولات العميقة في الواقع الاجتماعي ، ل (ناحية جبال شمر) شمالي (إقليم نجد) ولعل أبرزها تأثيرا هو ما سوف يتم تناوله ، بصورة تفصيلية وموجزة بقدر الإمكان ، وذلك كما يأتي :
أولا :
منذ ما قبل الإسلام ، كان إقليم (جبال طيء) تحت سيادة الطائيين خاصة سلالة الزعيم والقاضي المشهور (قيس بن شمر الطائي) وكان مركزها (صهوة جو) نظرا لتميزها بالمنعة والحصانة ، التي انسحبت على جبل أجا(مناع )وعندما تنازعت لاحقا فروع طيء على السيادة انقسمت السلطة بين فرعين من (القيسيين) أنفسهم وهما : بني عقدة من سنبس ، ومركزهم (عقدة) وبني (أسلم الجرنفش) وضل مركزها (صهوة جو) ، ومن ثم وقبل ما يقارب خمسة قرون من الآن حصل أيضا نزاع على السيادة من جديد وكان محوره هو رفض بعض فروع طيء وأهما (سنبس) لوجود (الضياغم القحطانيين) وحلفائهم ، إلى جوارهم ، وكان يتزعم السلطة في جو أحد أبرز زعماء طيء عبر التاريخ ، وهو ذلك الرجل عظيم المواقف المشهودة ، والذي يكاد يجمع الرواة على أن اسمه الشيخ والقاضي (عيسى بن أجود بن أسلم الطائي) وهذا قد عمد إلى رفع (راية شمر) كراية إلزام ، بدلا من (راية طيء) المتنازع عليها ، ومن هنا فقد أعلن الحرب على كل من لا ينضم تحت لواء هذه الراية الجديدة ، هنا انضم إليها (الضياغم القحطانيون) وحلفاؤهم ، ودارت المعارك ودامت سنين ، و غالبا فقد كان النصر والغلبة من نصيب هذه الراية ، حتى تم كسر وإجلاء كل من وقف ضدها ، وكان آخرهم (حلف بهيج من سنبس) وحلف (آل عروج مقدم بني لام) في هذه الأثناء سقطت (عقدة) وتم نقل مركز السلطة وهي (مشيخة حكم عرفي) من (صهوة جو) إلى (مدينة قفار) التاريخية ، وكان ذلك في عهد (شيوخ آل بعيِّر) من (أسرة آل بقار) العريقة .
ثانيا:
لقد مضت السنون والعصور حتى أراد الله تغيير الحال ، ذلك عندما انتشرت (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ) في (نجد) فيما بعد (منتصف القرن الثاني عشر الهجري) وكان أهم وأول ما تضطلع به تلك الدعوة إنما يتمثل في تكفير شيوخ العرف القبلي ، واعتبارهم طواغيتا يحكمون بغير ما أنزل الله ، وهكذا فإنهم برأي هذه الدعوة أطغى من (كفار قريش) وأنجس من (أصنام الجاهلية) وأن كل ما يخصهم من سلطان ومال وعرض مباح وغنيمة للمسلمين ، وبأن النيل منهم أجر وغنيمة ، كما أوجبت بل وفرضت العمل على حربهم وإسقاطهم ، والتخلص تماما منهم ، من أجل استبدال حكمهم العرفي الكافر ، بحكم إسلامي أصولي ، وكان أهم وأبرز نظامين عرفيين قائمين هما : (حكم آل بقار في جبال شمر) ويمتد نفوذه شرقا حتى غربي (جبل طويق) و(حكم آل عريعر في الأحساء) ويمتد نفوذه غربا حتى شرقي (جبل طويق) .
ثالثا :
مع نجاح (الدعوة السلفية) في (الدرعية) وقيام الإمامة السعودية (الأولى) وتمددها كان قد سقط (حكم آل عريعر) ، وبدأ انحسار (نفوذ جبال شمر) من ناحية الشرق ، وبدأ أنصار الدعوة الجديدة بالتكاثر ، وكان أهم مراكزهم في (قرية حائل) لدى شيخ العلم الشرعي ( محمد بن علي) حيث توجد لديه مكتبة وكتاب ومكان لإقامة طلاب العلم ، وقد كان (شيوخ آل بعيِّر) وهم أهل المقلدات في السلم ، بين قبائل العرب ، يحيلون عليه حالات التقاضي الشرعي ، في بعض القضايا الدينية البحتة ، مثل قضايا الزواج ، والمواريث ..الخ ، وكان يتمتع بمنزلة كريمة لديهم ، والشواهد على ذلك كثيرة ومؤكدة .
رابعا :
قبل نهاية (القرن الثاني عشر الهجري) بقليل وأثناء عهد الشيخ الجليل والمسن جدا حينها (إرحمة بن بقار) الملقب (كريم سبلا) انتهز أنصار تلك الدعوة وجود بعض الخصومات القديمة والحديثة ، وذلك بين (شيوخ آل بقار) من جهة وبين باقي (شيوخ آل بعير) لاسيما من (آل قدير وآل وهب) وكان معهم باقي (شيوخ آل أسلم) وفي مقدمتهم (ابن طواله) الذي كان قد بدأ نجمه بالتألق ، وهكذا فقد تم تأجيج الصراعات حتى حصلت فتنة عظيمة (فتنة آل أسلم الكبرى) وبدأ نزاع (شيوخ آل بقار) مع أبناء عمومتهم من (شيوخ آل أسلم) حتى تم اغتيال الشيخ الهرم (كريم سبلا) وهو خارج لتفقد العرض أمام القصر صباح يوم عيد الأضحى ، عندها تمت مبايعة ابنه (الشيخ ناصر) ولكنه كان ضعيفا ، وغير نافذ السلطان ، لتفرق الناس من حوله ، بسبب الانشقاقات والصراعات ، ومع ذلك فقد كان لا يزال حينها يتمتع بالشرعية ، وله العهد والبيعة ، في حمل لواء جبال شمر (راية شمر) التي ورثها عن الأجداد عبر قرون عديدة ، وإليه كان لا يزال يجبى ال(...)ج والأتاوات وغير ذلك .
خامسا :
وعندما هددهم جيش الدعوة بقيادة (سعود بن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود) في وقت كانوا فيه شتى ، وكان من أبرز (شيوخ شمر) غير (آل بقار) حينها ، كل من :
1- ابن طواله وابن عيادة وابن سراي وشيخ آل وهب(ال محمد) والجذيلي ، وهم جميعا من عشيرة (آل أسلم).
2- الشيخ مطلق آل جربا وابن عمه الشيخ مطلق (الصديد) وكذلك شيخ التومان (آل تمياط) وهم جميعا من عشيرة (زوبع) .
3- اجتمعوا هؤلاء ومن معهم ، ليتشاوروا فانشقوا إلى فرعين ، ولهذا جاءت تسمية موقع الاجتماع ب(ماء الشقيق) وتقوم عليه حاليا قرية صغيرة (لآل عمود) غربي (جبل أجا) وكان الفرعان أو الحلفان هما :
الأول: ويتمثل في (جناح الصايح) بزعامة الشيخ ابن طواله ومعه أغلب شيوخ آل أسلم ، بالإضافة إلى كل من الشيخ ال تمياط ، والشيخ مطلق (الصديد) على أن هؤلاء من أنصار الدعوة الجديدة ، فهم إذا ضد استمرار شرعية (حكم آل بقار) كونه على حد زعمهم نظاما عرفيا طاغوتيا كافرا..
الثاني : ويتمثل في (جناح الشيخ مطلق آل جربا) والذي كان قد بدأت ترتفع أسهمه ، حيث أخذ يتزعم قيادة غالبية فروع (قبيلة شمر) عندما ضعف سلطان (شيوخ آل بقار) منذ حوالي عقدين من الزمن ، وبما أن (الشيخ آل جربا) من فرع (عشيرة زوبع) الطائية ، فقد كان يحلم في أن يرث تلك السلطة القائمة والخاوية ، وقد كان فارسا صنديدا جبارا لا يجارى . وهكذا نجده قد وقف في الطرف المناوئ للدعوة ، وأخذ بتجميع الأحلاف والأنصار لغزوها والفتك بها في عقر دارها ، فانضم إليه ، القليل من عشيرتي (آل أسلم وزبع) والغالبية من عشيرة (عبدة) ، بالإضافة إلى بعض عشائر من خارج شمر ، وأهمها من مطير وحرب وعنزة .. إلا أن الرياح قد جاءت بما لا يشتهي أنصار (جناح آل جربا)..
سادسا :
وفي حدود عام (1205هـ) التقى الجمعان في موقع (العدوة) شمالي (جبل سلمى) فكان الأول : يتمثل بقوات الإمام بن سعود ، مدعومة بجناح الصايح من شمر ، أما الثاني : فيتمل في القوة العسكرية التي حشدها (الشيخ آل جربا) وقد انتهت المعركة بمقتل (الشيخ آل جربا) وهزيمة أنصاره وتفرقهم ، وهجرة غالبيتهم إلى العراق ، بمن فيهم غالبية (آل بعير).. بينما لحق بهم البقية مع هجرة (الشيخ ال صديد) لاحقا ، حيث يقول الشاعر المهاجر :
من 0نجد) جينا معتلينٍ ظهورها = موارث (الصيداد) مع (آل بعير)
وهكذا فإنه بسقوط حكم آل بقار ، وبهزيمة الشيخ آل جربا ورحيله ومن معه ثم من لحقوا به من شيوخ آل بعير وآل صديد ، فقد تفككت قبيلة شمر ككيان له نظامه ورايته وسلطته المشرفة ، بحيث يمكن القول بأنها قد أسقطت وربما ماتت في في جبال شمر شمالي نجد ، ولكنها قامت وتجددت مرة آخرى تحت زعامة شيوخ آل جربا ، في ديار المهجر (العراق) حيث هاجر حينها ما يقارب من ثلثي القبيلة ، وكانت غالبيتهم من شمر الطائية
سابعا :
وحيث قد تحقق النصر في معركة العدوة لجيش الدعوة الدينية التي تناصب البداوة والقبلية العداء ؛ فقد عمد الإمام المنتصر إلى تفويض رجل من أنصار الدعوة الحضر ، وهو شيخ العلم المفتي الشرعي (محمد بن عبد المحسن بن علي) وذلك لرعاية البلاد والعباد في هذا الإقليم ، وقد أطلق عليه مسمى (شيخ الجبل) وهكذا فقد تم نقل مركز السلطة من (مدينة قفار) العامرة ، إلى الموقع المسمى (مدينة حائل) وكانت قرية صغيرة حينها .
ثامنا:
في حوالي عام (1234هـ1818م) داهمت حملت إبراهيم باشا الدرعية وهدمتها وقتلت من قتلت ، ثم أخذت معها الإمام عبد الله بن سعود لتسليمه إلى الباب العالي في استانبول كما تم أسر البعض من أسرته ، ونقلهم إلى (مصر) وكان من بينهم ، ذلك الشاب النابه فيصل بن تركي آل سعود ، وهكذا سقطت الدولة السعودية الأولى في الدرعية>> .وبهدف القضاء المبرم على تلك الدعوة السلفية(الوهابية) التي كانت تناصب (العثمانيين) العداء ، وحيث قد صارت حائل من أهم مراكزها ؛ فقد داهمت الإقليم (الجبل ) وقطعت رأس شيخ الجبل محمد بن عبد المحسن بن علي.
تاسعا:
وقد تولى مشيخة الجبل من بعده أخوه [[صالح بن عبد المحسن آل علي]] وكان سلطانه (بن علي) ضعيفا ومتخاذلا برأي البعض أمام صولات العشائر البدوية وجولاتها ، فقد استمر النزاع بين شيوخ آل أسلم كما انتهزت فرصة ضعفهم بعض القبائل المجاورة ، وأهمها قبائل عنزة التي بدأت تهدد كيانهم لتحقيق ذلك الحلم القديم في الاستيلاء على هذا الإقليم جبال شمر حيث قد حصلت وقعات كثيرة أهمها مناخ ضفرة الشهير ، فجعل الناس يتذمرون من تخاذل الشيخ بن علي لضعف وطنيته ، وكان في مقدمة من تمردوا عليه بعض أبناء عمومته ، لاسيما ابني ذلك المزارع الحصيف والمتدين والمسالم (علي بن رشيد) وهم كل من ذلك الداهية الثلاثيني [[عبد الله بن علي آل رشيد]] وهو متزوج من سلمى بنت صالح بن علي وكذلك أخيه الفارس الصنديد [[عبيد بن علي آل رشيد]] .. ،
وقد ضاق الشيخ ذرعا بكل من عبد الله وأخيه عبيد الرشيد ، ولما ضيق عليهما وفي غضون عام (1236هـ1820م) أخذ (عبد الله بن رشيد) زوجته (الحبلى) وبمعية رفيقه وعبده المشهور (حسين) ، وهربوا أولا إلى قرية جبة ومنها إلى (العراق) وأثناء ما هم في طريق الهرب أنجبت زوجته ابنا ، فأوعز إلى رفيقة بأنه إذا تمخضت فليتخلص منه حتى لا يعوقهم فيلحق بهم القوم ، ولكن حسين ، اتفق مع أمه على أن يحملانه بحيث لا يلاحظه عبد الله ، وعندما وصلوا جبه ، ونظرا لماهم فيه من الشقاء والمشقة أسماه (متعب) ولا أعلم هل تركها وابنها في جبة أما أخذهما إلى العراق ، والأرجح بأنه تركهما ، وقد مات هذا الوليد متعب بعد فترة ، وقد تزوج عبد الله لا حقا بأم طلال ومتعب ، وهي منيرة ابنة عمه (عبد الرحمن بن جبر آل رشيد) ثم التم شمله بعد عودته بزوجته سلمى بنت صالح بن علي فأنجبت له ابنا أسماه محمدا ، وأما أخيه (عبيد) فقد زبن ولجأ عند [[آل وهب]] في [[جبل سلمى]] المنيع .
قال الشاعر عبد الله أثناء حالة الهرب قصيدته المشهورة والتي يوجهها إلى رفيق دربه (حسين) ليساعد زوجته على مشقة المسير ، والتي منها قوله :
وإن شلتها يا حسين تر ما بها شين = ترا الخوي يا حسين مثل الأمانه
كما شرح معاناته المريرة في القصيدة الطويلة التي كان مطلعها :
يا هيه يا اللي لي مـن النـاس وداد = ما ترحمون الحـال يا عزوتـي ليـه?
ومنها قوله:
من يوم شفت الشوق مزبور الانهاد = متمشلحٍ ياطا على أطـراف رجليـه
والشوك مالـه عـن مواطيـه ردّاد = الاّ ولا سـبـتٍ قــويٍ يوقّـيـه
وقوله:
و(جبّة) سقاها من أول الوسم رعّـاد = ما طالعت خشم (أم سنمـان) تسقيـه
عاشرا :
استعاد (الإمام تركي بن عبد الله) الإمامة وأنشأ (الدولة السعودية الثانية) والتي أصبح مركزها الجديد في (الرياض) كما عاد ابنه (فيصل) هاربا من (سجن محمد علي باشا في مصر) عام (1242هـ) بعد أن أمضى في الأسر ما يقارب التسع سنوات .. وكان ذكيا واعيا ملما بأطراف الأمور ، قد صقلته المعاناة بما يكفي للفوز بحظوة وثقة والده (الإمام تركي بن عبد الله).
حادي عشر:
عندما وصل المتمرد الهارب (عبد الله بن رشيد) إلى (مدينة بغداد) ضل مع رفيقه الوافي (حسين) في معاناة وصراع مع الحياة ، بحيث لم يتركا وسيلة للكسب لم يفعلاها ، كما قد كونا علاقات قوية ، مع رجال وأبناء (الباشوات العثمانيين) وبعد أن أمضيا ما يقارب السبع سنوات في بغداد ، يقال : بأنهما قد حصلا أو عثرا يوما ما على كمية مغرية من التحف والمجسمات وهي من الذهب الخالص ، وقد عمدا إلى دفنها وتركها ، ليبحثا في إمكانية تسويقها ، ولعلهما يجدان من يمكن مفاتحته في مثل هذه البضاعة الثمينة والخطرة جدا ، وقد تذكرا ذلك الشيخ الوقور والحكيم الذي قد عملا لديه يوما من الأيام ، فقررا الذهاب لمشورته في الأمر ، وهكذا فقد ذهبا إليه ، وقالا له : بأنهما ومن خلال عملهما في الحفر ، قد عثرا على كنز ثمين ، ولكنهما لا يعرفان كيف يتصرفان بأمره ؟! هنا قال الشيخ : من أي بلد أنتم ؟ قالا : بأنهما من ديار نجد ، قال إذا : فما الذي جاء بكما إلى هنا ؟ فسرد (عبد الله بن رشيد) قصته مع شيخ الجبل (ابن علي) وبأنه لو عاد فقطعا سيقتله ، قال الشيخ : وابن علي هذا من الذي ولاه الأمر لديكم ؟ قالا: بأنه والي من قبل (الإمام بن سعود) في (الدرعية) وحاليا أصبح مركزهم في (الرياض) قال الشيخ : وهل ستأخذان بما أراه لكما حيال بضاعتكما المخيفة هذه؟؟ قالا : قطعا لن نخالفك في أمر ما وقد جئنا لنستأنس بما عرفناه من حكمتك وثاقب بصيرتك ، منحك الله الصحة والعافية وجزاك عنا خير الجزاء ، قال : ها إذا احملا بضاعتكما ولتكن غير مرئية ، وانطلقا إلى الإمام في الرياض ، وقدماها هدية ولاء وطاعة وتقرب بين يديه ، وسوف يصلح بإذن الله كل شأنكما وتنتهي معاناتكما ، وهكذا فقد أخذا برأي الشيخ الحكيم فانطلقا إلى الرياض وتمت الأمور كما رأى ناصحهما ، فقد قبل الإمام تركي الهدية وأكرم نزلهما ، كما اتخذ من (عبد الله العلي آل رشيد) مرافقا ووجيها مسموع الكلمة ومحترم الرأي لدى ابنه (فيصل) الذي ولشدة إعجابه برجولته ومروءته وشجاعته ورجاحة عقله فقد تزوج بواحدة من أخواته .
ثاني عشر:
وفي (الحادي عشر من شهر صفر 1250هـ/18 يونيو( 1834 قتل العبد المسمى (حمزة) بمدسه عمه الإمام تركي ، وكان ذلك بتوجيه من ابن عمه (مشاري) وهو ألذي كان قد وجهت إليه القصيدة المشهورة لنخوته ، عندما كان (فيصل بن تركي) أسيرا في مصر ، والتي جاء مطلعها:
سر يا قلم واكتب على ما تورى = أزكى سلام لابن عمي مشاري
عند مقتل الإمام تركي ، كان ابنه فيصلا في طريق العودة ضمن حملة يقودها لتأديب بعض المتمردين في القطيف ، حيث قد استتب له الأمر وعاد ، وأثناء فترة توقف الحملة للغداء ، تلقى خبر مقتل أبيه من ابن عمهم (مشاري) الذي قد بويع بالإمامة من البعض ، ودخل قصر الحكم ، هنا اختصر (فيصل) ببعض رجاله ومن بينهم الرجل الأول لديه (عبد الله بن رشيد) واستشارهم في الأمر ، هنا اختلفت وتضاربت الآراء ، كما لم تكن حازمة ، كما يجب ، في رأي ابن رشيد ، هنا نجده قد توجه بالكلام إلى فيصل قائلا : دع الأمر علي ، ولا أريد منك إلا أن تعطيني حرية التصرف المطلق في هذا الأمر ، على أن يكون ذلك ممهورا منك بعهد الأمان ، قال فيصل: وبعهد الله لك ذلك .. انطلق ابن رشيد ومعه عبده الخاص ، وقيل رفيقه حسين ، ولما وصل إلى الرياض رتب مع بعض من يثق بهم من رجال القصر ، على أنه بعد عودة الإمام الجديد (مشاري) من المسجد لصلاة العشاء مباشرة ، يتم إطفاء جميع مصابيح الزيت المشعلة ، ليصبح القصر ظلاما دامسا ، وحيث كانت لا تزال لدى (ابن رشيد) أداة للتسلق ، وهي عبارة عن خطاطيف أو كلاليب كانا هو ورفيقه يستعملانها أحيانا لتسلق بعض الأسوار في العراق .
ثالث عشر:
ومع انسدال الظلام ، رميا بخطاطيفهما وتسلقا القصر ، الذي يعرفان تفاصيله ، مكثا ينتظران فراغ الإمام من صلاة العشاء وعودته ، لا يحملان معهما سوى حبال وخطاطيف وسيفين ، والمهم أنه عندما دخل الإمام ، وتم إطفاء المشاعل ، ربطا حبلهما وانخرطا من الفتحة الموجودة في سقف غرفة نوم الإمام (السوامة) فأمسك عبد الله بمشاري من الخلف وثبت عضديه ، ولكنه (مشاري) ضل يحز بالسيف على كتف (عبد الله بن رشيد) فأرهقه قبل أن يتدخل صاحبه ، ولكونهم في الظلام ، لذلك كان صاحبه عندما يمسك بعضو يقول: هل هذه منك يا عمي ؟؟ وعندما لا يحس عبد الله بشيء يرد بقوله : إذا بيدك شيء أقطه ، فيقطعه العبد ، حتى انتهى مشاري ومات ، عندها عاد فيصل سريعا وخلف والده بالإمامة ، وذلك في نفس العام (1250هـ) وقد عادت بعد فترة وجيزة ، كل المياه إلى مجاريها ، واستتب له الأمر .
رابع عشر:
لقد أراد (الإمام فيصل) مكافئة (ابن رشيد) على فعلته ، التي أصيب جرائها إصابة بليغة ، وذات يوم فاتحه الإمام حول هذه الرغبة الخاطرة لديه ، وطلب منه أن يطلب ما يشاء ، ليعطيه مطلبه ، شكره بن رشيد وطلب منه توليته حكم الجبل ، بدلا من الشيخ الحالي (ابن علي) هنا عرض عليه الإمام حكم الأحساء بدلا من الجبل كونه بلدا ثريا بالزراعة ، وقد ألح عليه بذلك ، ولكنه (ابن رشيد) أصر على حكم الجبل ، ولا شيء غيره ، وهنا لم يكن من الإمام فيصل إلا أن يعطيه مطلبه ، ذلك برغم أن زوجته (أخت ابن رشيد) قد حذرته من أن يولي أخيها عبد الله على حكم الجبل ذو التاريخ المعروف بالمنعة والتمكين ، ولكونه (ابن رشيد) رجلا قياديا محنكا (كاريزماتيا) ومن حوله أهله وعزوته ، بما يمكنه من أن يقوى ويتمرد على الإمامة (السعودية) وقد حصل فعلا ما توقعته أخته (زوجة الإمام) ولكن كان بأسلوب نبيل ندر أن نجد تجربة في السياسة مثلها (كما سنرى) وللزوجة هنا قصيدة مشهورة تلوم على زوجها الإمام ، توليته لأخيها على جبل شمر ، جاء مطلعها :
حر شلع ما بين (فيصل ودواس) = يم (الجبل) طير فروق الحباري
خامس عشر:
وهكذا فإنه بعد ما يقارب (14سنة) قضاها هاربا أو لاجئا ، وفي حدود عام (1251هـ) استلم (الأمير عبد الله العلي آل رشيد) خطاب التفويض ، ومضمونه عزل شيخ الجبل (صالح بن عبد المحسن بن علي) وتولية (عبد الله بن رشيد) أميرا محله ، فانطلق هذا الأمير إلى ناحية الجبل ، وتصارع لفترة مع آل علي ، وقد تم استدعاء قوة عثمانية ، وأخيرا استتب له الأمر بمساندة أخيه الفارس عبيد بن رشيد ، وقد نجحت قيادته وقويت شوكته وازدهرت إمارته ، وفي عام (1254هـ) عادت إحدى حملات (محمد علي باشا) وداهمت مركز الإمامة (الرياض) وتمكنت من أسر (الإمام فيصل) ونقله إلى (مصر) وفي هذه الأثناء تعرضت هذه الإمارة للاختبار الأول ، ذلك عندما استغل هذه السانحة (أهل القصيم) ومعهم غالبية (عشائر عنزة) فحشدوا حشودهم وزحفوا لإسقاط هذه الإمارة التي لا تزال فتية في إقليم (جبال شمر) ذا التاريخ المجيد والعريق ، وقد التقى الجمعان في موقع (بقعاء) حيث حقق (ابن رشيد) انتصارا مذهلا وساحقا ماحقا في (معركة بقعاء) الشهيرة وذلك عام (1257هـ) .
في تلك المعركة ذائعة الصيت ، والتي كان بطلها الفارس (عبيد العلي الرشيد) الذي قال مخاطبا من تهيبوا عن خوض تلك المعركة لقلتهم في مقابل كثرة الخصم :
اضرب على الكايد إلى صرت بحلان = وعلى الولي وصل الرشا وانقطاعه
أما تجي بعقود لؤلؤ ومرجان = وإلا لشيطانٍ يطير بشعاعه
وعند نهايتها وكان في نشوة النصر ، وحتى قبل أن يغسل الدماء المتجمدة عن كفيه ، من الضرب بالسيف على الرقاب ، قال قصيدته المشهورة التي منها قوله :
أنا أحمد اللي هبهب الريح يا (حسين) = صارت على (القصمان وأولاد وايل)
واللي ذبحت بشذرة السيف تسعين = ألا ولاني عن طردهم بسائل
نجرهم بالقاع جر ال(...)فين = وأمسى (صفا بقعاء) من الدم سايل
وهكذا وبهذا النصر الحاسم والناجز ، فقد لمع نجم (إمارة الجبل) الناشئة وأصبحت مرهوبة الجانب ،ومع ذلك فقد ضلت هذه الإمارة القوية ، موالية ومدينة منذ نشأتها للإمام بن سعود ، وهكذا فإنه وبعد تسع سنوات من الأسر تمكن (الإمام فيصل) من الهرب مرة أخرى ، من مصر ، وعاد إلى نجد ، وهنا فإنه من الطبيعي والبديهي وكرد للجميل وحفظا للولاء ، فلابد من أن يناصره ويعضده (الأمير بن رشيد) حتى يمكنه من استرداد عمامة الإمامة التي تعاقب على ارتدائها عدد من الخلفاء المتخاصمين ، أثناء فترة أسره في مصر، وبذلك فقد استعاد الإمام فيصل عرشه ، حتى توفي عام (1282هـ).
سادس عشر:
تجدر الإشارة هنا إلى فائدة حول ظاهرة هامة أسميتها (فتنة النزعتين القبلية المدنية) حيث وجدتها لا بد وأن تستشري وتنخر في كل كيان سياسي ، حتى تفتك به وتقوضه من الداخل ، إلا أنها غالبا ما تكون مستترة خلف السطور ، لاسيما في الاستقراء غير الفاحص للسرد التاريخي البحت ؛ وهي تتجلى في حالة من الصراع والتناحر بين محورين رئيسين متناقضي المصالح ، وفي ذات الوقت عميقين في تكوين الواقع الاجتماعي ، بحيث يؤثران على جميع نواحي الحياة ، ولكن السلطة السياسية نجدها تستجيب لهذه الحالة وتبرز فيها أكثر من غيرها ، لاسيما في إقليم (نجد) قلب جزيرة العرب ، وهذان المحوران هما:
الأول: محور أنصار النزعة البدوية القبلية والإعلاء من شأن كل ما يتعلق بذلك من : ثقافة وفكر واهتمامات وعادات وتقاليد وقيم وأعراف وقناعات وميول مع انتماء لعصبية قبلية وولاء سكاني وحياة بدوية ومشيخة قبلية ...الخ.
الثاني: محور أنصار النزعة الحضرية المدنية والإعلاء من شأن كل ما يتعلق بذلك من : ثقافة وفكر واهتمامات وقيم وعادات وتقاليد وقناعات وميول مع انتماء وطني وولاء مكاني وحياة حضرية ووعي ديني تشريعي ونظام حكم مدني...الخ.
علما بأن الصراع وفقا لهذه النزعة الازدواجية ، إنما يتفجر غالبا في قصور السلطان نتيجة لتعدد الزوجات ، واستخلاف الأبناء من زوجات متعددة ومتمايزة الأصول والولاء والثقافة ، ومن ذلك تاريخيا نجد مثلا ، ما حصل بين أبناء الخليفة العباسي (هارون الرشيد) وهم كل من الأمين والمأمون والمعتصم .
وهكذا فإنه نتيجة لمثل هذه الحالة من الصراع ، ونظرا لعدم تنظيم انتقال السلطة وتداولها سلميا ؛ فإن عرش هذه الإمارة (إمارة الجبل) ومنذ رحيل رائدها الأول (عبد الله العلي الرشيد) في جمادي الأولى سنة 1263هـ/1847م .وحتى حينه فقد تعاقب عليه عدد من الأمراء ، وهم كل من : طلال العبد الله حتى توفي بالدسيسة وقيل بأنه انتحر في قصر برزان وقيل أثناء زيارته للرياض عام (1283هـ) ثم تولى الإمارة أخيه متعب العبد الله وهذا حصل بينه وبين الأمير عبيد بعض الخصام مما أدى إلى أن اغتاله بندر بن (أخيه طلال) عام (1285هـ) وتولى الإمارة ، مما أغضب عليه عمه (محمد العبد الله) الذي غادر إلى العراق ، ومنها إلى الرياض ، حيث مكث فترة لدى الإمام (عبد الله الفيصل) وبعد وفات عمه (الأمير عبيد آل الرشيد) عاد حوالي عام (1286هـ) وتصالح بداية الوقت مع الأمير بندر إلا أنهما قد تنازعا لاحقا بخصوص قافلة لقبيلة الظفير ، فقتله محمد ، وتخلص لاحقا من جميع أبناء أخيه (الأمير طلال العبد الله) ، وهم ستة أبناء بينما سلم منهم الطفل الصغير( نايف) ، وهكذا فقد استلم محمد الإمارة في حوالي عام (1388) ويعتبر درة التاج في العقد الفريد لأمراء آل رشيد النبلاء فله من الألقاب الشرفية الكثير نجد منها مثلا : خيران والمهاد والكبير بل وحتى أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين ، فقد كان عهده كله خير ورخاء وبركة ، وذلك بصورة فريدة تختلف عن كل ما اعتاده الناس ، لا فيما كان قبله ولا فيما جاء من بعده ..
سابع عشر:
ونتيجة أيضاء ل (فتنة النزعتين القبلية المدنية) المشار إليها ، فإنه بعد أن توفي الإمام فيصل عام (1282هـ) دب الخلاف بين أبنائه كل من عبد الله وسعود وعبد الرحمن ومحمد ، وعندما طال التطاحن بينهم وصار الصلح فيما بينهم أمرا ميئوسا منه ، وحقنا للدماء ، تدخل الأمير القوي جدا حينها (محمد العبد الله الرشيد) وأطبق على معقل الإمامة في (الرياض) فضمها إلى (إمارة الجبل) وجاء بالبعض من أبناء (الإمام فيصل) وعوائلهم إلى مدينة حائل وأكرم نزلهم ، وقد مكثوا مليا ، ثم نصَّب أمير الجبل (عبد الرحمن بن فيصل) واليا له على الرياض ، وبعد فترة حصل تمرد من أهل القصيم ومعهم بعض العشائر ، طامعين في الاستقلال ، عن سلطان إمارة الجبل ، ولكنه (ابن رشيد) كسر ذلك التمرد ، وشتت شمله في (معركة المليداء) الفاصلة في ( 13/6/1308هـ) وحيث قد علم (الأمير محمد بن رشيد) عن وجود حشد وتحرك من بعض (كبار آل سعود) لنصرة (أهل القصيم) ضده ، عندها تحرك فورا من القصيم ، صوب الرياض ، وعندما علم الحاشدون ضده عن الهزيمة التي حلت بقومهم ، تفرق شملهم ، بينما هرب (عبد الرحمن بن فيصل) ومعه أغلب رجالات (آل سعود) إلى الخليج ثم إلى الكويت ، وهكذا فقد استقلت (إمارة الجبل) فعليا وتماما عن الإمامة الساقطة ، كما استتب الأمر في كل (إقليم نجد) وما جاورها ، لهذه الإمارة ، وكان ذلك هو العصر الذهبي لهذه الإمارة ، ولكنه لم يدم طويلا .
ثامن عشر:
في سنة (1315هـ) توفي أمير الجبل الشهير (الأمير محمد العبد الله الرشيد) وكان عقيما لا نسل له ، وقد خلفه ابن أخيه الأمير عبد العزيز المتعب (الجنازة) وهو ابن الأمير متعب الأول ، وكان (الجنازة) شجاعا عاشقا لخوض المعارك ذو شكيمة وبأس لا يهاود ولا تلين له قناة ، وحيث قد ساءت علاقاته مع البريطانيين بعد أن رفض موالاتهم واعتذر عن قبول وجودهم في جزيرة العرب ، فقد عمدوا إلى استفزازه ، حتى غزى الكويت ، بعد ما يقارب العام على استلامه الحكم ، وذلك تماما كما حصل مع الرئيس العراقي صدام حسين ، وهنا وفي عام (1318هـ) حشدت بريطانيا جيشا قوامه (10000) مقاتل ، يتكون من كل قبائل الجزيرة العربية ، وأهالي الخليج والقصيم وغيرهم ، بقيادة أمير الكويت (الشيخ مبارك آل صباح) وكانت المهمة هي الزحف نحو عاصمة ابن رشيد (مدينة حائل) وحصارها حتى إسقاط هذه الإمارة نهائيا ، ولكنهم عندما كانوا في موقع يقال له (الصريف) شمالي القصيم داهمهم فجأة ذلك القائد الفذ المقدام (الجنازة) وذلك فقط بخمسمائة مقاتل انتحاري من أبناء شمر الأشاوس ، وبخطة عسكرية مبتكرة وتوقيت مناسب ، فهزمهم وقتلهم وفرق شملهم وشتتهم ، ثم طرد من بقي منهم على قيد الحياة وهم قليل جدا ، شر طردة ، وكان من بينهم القائد (ابن صباح) ومساعده (عبد العزيز بن سعود) حيث أنقذهما من القتل بعض فرسان شمر النبلاء ، تحت قاعدة "ارحموا عزيز قوم ذل".
تاسع عشر:
يئست بريطانيا ومن يناصرها من هزيمة إمارة الجبل عسكريا ، وهكذا فقد عمدوا إلى بعض الأساليب (المبتكرة) بخلاف المواجهة العسكرية ، من ذلك خطة (الكوماندوز) التي نفذت في مداهمة حاكم الرياض (ابن عجلان) وقتله في سنة (1319هـ) عندما دخل الملك عبد العزيز وبعض رجاله حصون الرياض بحيث استلم الحكم فيها ، وبدأ بالتوسع ، إلا أنه قد اشتد وطال النزاع بينه وبين ابن رشيد حول الاستحواذ على ناحية القصيم ، حتى تم اغتيال (الأمير عبد العزيز المتعب) بمؤامرة من تدبير المستشارين الإنجليز ، وذلك أثناء تعسكر جيشه في (روضة مهنا) عام (1324هـ) وقد خلف (الأمير عبد العزيز المتعب) ابنه (الأمير متعب الثاني) وتراجع الجيش من القصيم إلى جبال شمر ، وحينها دبت تراجيديا فتنة التنازع على السلطة بين (أبناء آل رشيد) تقول الشاعرة بنية الحمود آل رشيد في قصيدة تحذر فيها ابنها الحاكم (متعب الثاني) من المقربين الطامعين في الحكم كان مطلعها :
أحذرْك يا متعب عن القوم الأدنين = كلٍ يبي له خاتم به رشامي
ولكن عن قضاء الله هيهات أن تغني النذر ، حيث أنه وبنفس السنة وفي الموقع المسمى (الأحيمر) فقد تم اغتياله ، مع أخوته الأشقاء ، كل من محمد ومشعل وابن عمهم طلال النايف ، بينما نجى الطفل سعود(أبو خشم) وهو أخو متعب غير الشقيق ، وكان ذلك من قبل ثلاثة من أبناء عمومتهم ، وأخوالهم المباشرين ، وهم كل من سلطان وسعود وفيصل (سبيت) أبناء جدهم لأمهم (بنية بنت حمود العبيد ال رشيد) الذي قال بالمناسبة تلك القصيدة المبكية ، في فجيعته وحزنه على فعلة أبناؤه بأحفاده ، والتي جاء منها :
هيضـت مـا كنـيـت وابـديـت ما اخفـيـت = ولا نـمـت انــا سايـلـت حـالـي لـحـالـي
ولانمـت انـا عقـب الحـرم ثـم سجـيـت = (الاربــعـــة) بـالـحـلــم كــلـــن نبــالــي
يا لـيـتـنـي قـيـلــت مـعــهــم ولا جــيـــت = ولا شـفـت أنــا ذبـحـت (مـحـمـد) قـبـالـي
(متـعـب) ولــد بنـتـي بشـوفـه تشـافـيـت = لا أبطيـت ما جيتـه هــو الـلـي عنـا لـي
و(مشعل) يـداوي الجـرح لـو ما تداويـت = لا شــفت زولــه يــردن الـمـاء حبـالـي
و(طـــلال) يناجـيـنـي وانـا لــه تـنـاجـيـت = وعــزالله انــه مــن نضـايـض حـلالـي
وعـــز الله إنـــي لـلـمـراجـل تـقـصـيـت = مـار إن جـاء بـوق العهـد مـن عيـالـي
وعـــز الله إنـــي بـالـعـهـد مـا تـرديــت = مـــع نـســل عـبـد الله قــديــم وتــالــي
إلى أن قال بدعوته عل أبنائه القتلة التي استجيبت سريعا:
سلط على (سلطان وسعود وسبيت) = من بعدهم فارقت أنا كل غالي
أما أخت القاتلين ووالدة المقتولين (بنية الحمود آل رشيد) فقد كانت في الحج ولحق بها والدها حمود العبيد ومعهم الطفل الناجي سعود مع أمه وخاله حمود السبهان ولجئوا إلى المدينة المنورة ، وقد قالت أمهم بالمناسبة أشعارا مبكية تفطر القلب وتلهب الضمائر وتنزف الدموع ، ومنها تلك القصيدة التي جاء في مطلعها :
تعززوا للي جلت للمدينة = اللي (عيال أبوَه) تعشوا (عياله)
وقد تولى الإمارة ، الأمير القاتل سلطان الحمود آل رشيد (1324هـ) بينما ولي القاتل الأخر أخاه فيصل الحمود آل رشيد(سبيت) على (ناحية الجوف)
وقد اعتبر هذا الأمير فاقدا للشرعية ولم يلقى قبولا حتى من الأقربين ومما قيل فيه ، قولهم على بحر الحدا :
جيناك يا الشيخ الجديد = عن شوفتك نبحث خفاك
إن كان نوهاتك بعيد = تسري وحنا من وراك
وإن كان نوهاتك قريب = اقعد يا علك في عماك
قطعت ب(عيال الرشيد)= في خيبتك وشو بلاك
والميد ماهو لك مديد = باكر تشقف من (.....)
وبالفعل لم يكن مداه بعيدا ، فبعد أقل من عام تم اغتيال هذا الأمير القاتل بواسطة إخوته ، فتولاها أخاه ولي عهده ، وهو القاتل الثالث الأمير سعود الحمود آل رشيد ، الذي أمضى فقط ربما عاما واحدا ، حيث تم عزله وقيل اغتياله بنهاية عام (1325هـ) وهكذا نجد أن الإمارة تعود مرة أخرى إلى فرع (آل متعب) بعد أن مكثت مشروعيتها ولأقل من العامين لدى فرع (آل العبيد) .
عشرون:
بعد خلع الأمير سعود الحمود ، لم يعد هنالك في حائل من يتولى الإمارة من فرع (آل عبد الله) وهكذا فقد ضلت شئون القصر ولعدة أشهر تدار من قبل السيدة فاطمة الزامل ال سبهان ، وذلك حتى تم وصول من تم استدعائهم بعد قصيدة السنيدي من المدينة المنورة ، حيث بويع على عرشها بالوكالة في عام (1326هـ) ذلك الغلام (12سنة) الملقب (أبو خشم) وهو (الأمير سعود بن عبد العزيز) الناجي الوحيد من المذبحة التي وقعت لإخوانه ، وبولايته أنقذت هذه الإمارة من حالة التدهور والضعف والتردي ، بحيث استعادة الشرعية والثقة وقويت اللحمة بين رجالها وتكاثر أنصارها ، واشتد صلبها ، وعادت هيبتها ، واستعادة سيادتها شبه المفقودة ، وتراجع في عهده (ابن سعود) عن أي جهد عسكري ، خاصة بعد الصفعة التي تلقاها هذا الأخير عام (1335هـ) في (معركة جراب) لاسيما وأنه في تلك الأثناء قد تحول (الأمير بن رشيد) بالولاء نحو سلطان الباب العالي في استانبول ، وبذلك فقد حصل على دعم عسكري ضخم ، ضمن عدة حملات وصلته الأولى منها عام (1919م) بما فيها أول سيارة تدخل جزيرة العرب كهدية تقديرية للأمير ، وهكذا وبعد ما لا يربو عن عام واحد ، نجده يعقد لواء لجيش بقيادة وكيل عرشه زامل السبهان ، حيث تحرك به إلى ناحية الجوف بغرض إخضاعها تحت سلطانه ، وذلك كما كانت تحت سلطان من قبله من أمراء الجبل ، أو شيوخه قبلهم ، ولكن (الجوف) عند تنصيب الأمير سعود بن عبد العزيز ، بعد الأمير القاتل سعود الحمود ، كان الوالي عليها أحد الأخوة القتلة الثلاثة وهو فيصل الحمود (سبيت) وهكذا فقد استقلت الجوف فورا ، جراء فراغ السلطة عند فرار الوالي عليها ، مع تنفيذ حركة شبه انقلابية ، وكانت ظاهريا باسم الشيخ نواف النوري الشعلان ، وقد استمر استقلالها حتى استعادها بعد انتصاره في هذه المعركة (معركة الجوف) وكانت في سكاكا الجوف وذلك مطلع عام (1339هـ) والنصر في هذه المعركة كان يعني الشيء الكثير في حسابات كل من الأمير بن رشيد وأخصامه ، لاسيما وأنها تعد من أكبر المعارك في تاريخ آل رشيد الحربي ربما بعد الصريف أو بعد بقعاء ، ولكن ولسوء الطالع فإنه حينها قد انهزمت دول المحور ومن بينها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، وتم تدمير سكة حديد الحجاز وتعطل (ميناء العلا)الجاف ، وبذلك فقد توقف الشريان الرئيس في دعم هذه الإمارة .
حادي وعشرون:
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما لملمت الإمارة المهزوزة شتاتها نتيجة الفتنة الداخلية ، لاسيما بعد أن تولي الأمير الناجح (سعود العبد العزيز) عرش إدارة الأمور فيها ، وحيث قد خبرت بريطانيا ما يؤكد بما لا يدع مجالا للتجربة أنه لا قبل لهم بلقاء جيش جبال شمر ، ذلك نظرا لقوة اللحمة والتكامل بين الولائين القبلي والوطني ، مدعومة بتاريخ حربي تليد ومجيد ، وبقيادة ملهمة وكارزماتية ، ولهذا فقد عمدت في حوالي عام (1330هـ) إلى بعض حيلها الاستعمارية ، وقد تمثلت في تكوين حركة دعوية جهادية ، شعارها الظاهري نصرة عقيدة التوحيد ورفع رايتها (لا إله إلا الله) وتكفير كل خصومها ، بل كل من ليس معها ، أما الغرض المبطن فهو اختراق الوعي القبلي وتحطيم ولائها وكسر لحمتها لتقضي على ذاتها ، أي هزيمتها داخليا ، ومن ثم تشكيلها في إطار توحيدي واحد يمكن السيطرة عليه وتوجيهه والتحكم به ، وكانت تسمى (حركة الإخوان) أي أخوان من طاع الله ، التي تضم (أهل التوحيد) الذين تتم تغذيتهم بنوع من الأيديولوجيا التكفيرية الجهادية ، لندفعوا تحت شعار : لا إله إلا الله ، على الكفار الله أكبر ، والمقصود بالكفار هم كل من ليس معهم ، فحدث أن انقلبوا الناس عقائديا وفكريا على بعضهم البعض ، وفقدت القدوة وانشقت اللحمة ، ودبت بينهم فتنة التقاتل التكفيري ، وكان هدفها بذلك مزدوج ، تنفيذ المذابح على الموالين للإمارة المستهدفة لتشتيت عنصر القوة المتمثلة بثقل قبيلة شمر ، وذلك بعيدا عن مركز الإمارة (حائل) وبنفس الوقت يتم الزحف نحوها لعزلها تدريجيا ، حتى يمكن السيطرة عليها بسهولة ، وجراء ذلك فقد حدثت مذابح مفجعة ، كان من أفجعها مذبحتي خب الشعيبة وخب الجليدة ، فجر يوم 27 رمضان ، والناس في المساجد ، ومذبحة لينة ، ومذبحة كون الروضة وكون السبعان ، وغيرها الكثير .
وهنا تروى عن مذابح الإخوان وفجائعهم ، الكثير من القصص والقصائد ، أذكر منها ، تلك القصيدة الملهبة للمشاعر عن (مذبحة الجليدة) للشاعرة نزيلة الأسلمية والتي منها:
من عقب ماني صايمه كنت أصلي = جضيت أنا من حر شيءٍ جرى لي
ما عاد لا مدْلي ولا من مْدَلي = على (الجليدة) لا سقاها الخيالي
تسعين لحيه كلهم عزوةٍ لي = (عوجان الألسن) ذبحوهم قبالي
ما منهم اللي ذل وإلا استذلي = ولا منهم اللي إلتجى بجالي
وغدانهم بالقيض ماهم ابضلي = وحريمهم دجت بليا رجالي
اليوم (ضاري) يا بعد كل من لي = وين (أخو صلفه) يا عوض من غدا لي
اغزوا على (الخوَّان) ثاروا بخلي = نبي عليهم مثل يومٍ جرى لي
**وعن (مذبحة مساجد الشعيبة) أذكر قصيدة الشاعر ساكر الخمشي ، والشاهد منها قوله :
ذبحة (أهل المسجد) ركوعٍ وسجـاد =يأتي لها مـن بعـد ذلـك منـادي
يا عل دارٍ حل به ذبح الأجـواد=تأخـذ ثمـان سنيـن ما سـال وادي
وتأخذ ثمان سنين ما جـاه رعـاد=ساكن هواهـا ما يطيـر السمـادي
وترخص بها السلعة ويغلى بها الزاد=وتذهل بها المرضع جنين الفـوادي
**ومن قول الشيخ غضبان بن رمال في ذم المنخرطين في حركة الإخوان:
نكَّاس ل(الخوَّان) دودٍ ولد دود = هذاك ودك ينزع الله شبابه
تمسي وتصبح شاربك فيك مجرود = وتُضرب الى شيفت عليك العصابة
** كانت حركة الإخوان عبارة عن جسم وجناحين ، الجسم (تنظيري لوجستي) غير قبلي وغامض التكوين لا يبرز فيه إلا أهل العلم والوعظ ، أما الجناحين التنفيذيين ، فالأول يمثل قبائل البدو الجنوبية بقيادة (سلطان بن بجاد) شيخ فرع برقا من عتيبة ، أما الثاني فيمثل قبائل البدو في الشمال بقيادة (عزيز الدويش) من شيوخ مطير ، والكل منهما متخصص ومتعهد بتطهير ناحيته من أهل الكفر (غير الموالين).
** وهكذا ، واستجابة لنخوة الشاعرة الأسلمية بالشيخ ضاري بن طواله (أخو صلفة) فقد سنحت لشمر فرصة الأخذ بالثأر من مطير عندما خرجوا على طاعة القيادة ، بقصد إخضاعهم ، وذلك في (معركة المسعري) بأم رضمة في ذي الحجة من سنة (1348هـ) فقد تم قتل الشيخ الدويش وهزيمة من كانوا معه ، جاء دور أخت الدويش قائد منفذي المذابح ، حيث تقول :
يذكر عزيز عليه غبار = بالمسعري تكلح انيابه
ضحوا بهم بالنمش وقصار= يا سعد من شمر أقرابه
اللي علينا عليكم صار= من الي علينا فتح بابه
**وهنا نجد شاعرتنا نزيلة الأسلمية مبتهجة بخبر النصر وقتل الشيخ الدويش ، وترد على من يقولون بحرمة قتلهم في الشهر الحرام (الأضحى) إذ تقول :
يا ميت يا الي بين الاموات نهاج=(أهل الجليدة) خصهم بالسلامي
قضى لهم وليهم عجل الافراج=يوم جرى بالمسعري له كتامي
ميتين مع تسعين والناس حجاج=منهم ذبحنا ، ليه؟! قالوا : حرامي
ما هو حرام ذبحنا عند الإفجاج= الفجر تال العشر شهر الصيامي
نسوانهم بحداد..وأمشي بديباج = توه برد غلي وعيني تنامي
**ومن قصيدة أخرى تقول إحداهن :
اللي يحرّم دمكم بالضحية != كيف يحلل دمنا برمضاني ؟!
ثاني وعشرون:
وقد استمرت هذه الحال من الزحف والعزل بشكل بطيء ، باتجاه تنفيذ حصار مطبق على (مدينة حائل) معقل (ابن رشيد) إلا أنه وفي عام (1339هـ) صدم الناس في جبال شمر بنبأ اغتيال الأمير سعود (أبو خشم) من قبل أحد أبناء عمومته (عبد الله بن طلال النايف الطلال ال رشيد) ، فتولى الإمارة من بعده ابن أخيه (متعب العبد العزيز) الذي اغتيل من أخواله ، وهو ذلك الأمير ما قبل الأخير (عبد الله المتعب) الذي هرب وبقي لاجئا لدى (ابن سعود) في الرياض ، وكان لم يمضي عاما واحدا في سدة الحكم ، وذلك بعد قدوم الأمير محمد الطلال النايف الطلال ، مسك الختام من فصول تراجيديا إمارة آل رشيد المجيدة ، وهذا الأخير هو شقيق قاتل الأمير سعود بن عبد العزيز ، وأحد أخفاد (نايف الطلال) الناجي الوحيد من أبناء (الأمير طلال العبد الله) الذين تخلص منهم (الأمير محمد العبد الله) وكان هذا الأمير (محمد الطلال) كبقية أمراء آل رشيد شجاعا صارما وقائد فذا مقداما ، ولكنه لم يكن محظوظا وربما كان ينخدع كثيرا بأصحاب المئارب والنوايا السيئة من البطانة ، وهكذا نجده قد ساهم هو ذاته ولسوء تدبيره في كسب عداء الناس تشتيت من حوله ، ذلك عندما بدأ عهده بتنفيذ عدة حملات عسكرية على عدد من أهل القرى المحيطة به في جبال شمر ، حيث فتك بعدد من علمائها (الإخوان) ، وبالمناسبة يحضرني هنا موقف يقال : بأنه حدث خلال اجتماع عقده هذا الأمير مع رجالات شمر وأهل الجبل للتشاور حول أسلوب مواجهة هذا المد الحركي المخيف ، والذي لا يمكن مواجهته عسكريا ، وكان يحضر الاجتماع الفارس المشهور ندى بن نهير وكان ذو رأي وبصيرة مع قدر من الشجاعة المادية والأدبية ، وإنه قد دار النقاش بالتركيز على أما المواجهة العسكرية أي بالقوة ، أو بالتفاوض الشرعي حول مسألة تكفيرهم وإعلان الحرب عليهم من قبل قيادة الإخوان ، وكان بن نهير يتابع بصمت ، ما لا جدوى منه ، ذلك كما يرى ، وعند نهاية الاجتماع التفت الأمير إليه ، قائلا : هات رأيك يا ابن نهير، وعندما ألح عليه قال : يا كويل العمر (ابن سعود) يبينا نطوي على رؤوسنا خرقه (عمامة) ونقول : أنت الإمام ، ولك منا السمع والطاعة ، وهكذا سيبقى كل منا في مكانه ، محافظا على وضعه ، من يدري ربما تنفرج قريبا ، لسبب ما ، فلعل مسدسه هذا (الإخوان) الذي يرهبنا به ، يرتد يوما عليه فيخلصنا من عمائمة (ينقلب السحر على الساحر) كان من بين الحضور رجل يكبر المتحدث (ابن نهير) سنا ، ومن كبار البطانة الأميرية الواصلين جدا ، قيل بأنه إما سعود بن سبهان (المتوقد) أو (عقاب بن عجل) خال الأمير عبد العزيز (الجنازة) المهم أنه ، قاطع حديثه بقوله وهو يقبض على نصاب سيفه ، وبلهجتة الحائلية : "شف يا وليدي ، الله يصلحك ، حِـنَّا أخذناها ، بحد هالسيف ، ما أخذناها باء تاء ثاء ، لكن إذا تبي عمك (ابن سعود) توكل على الله ، هذا هو ، الله يعطيك بركته" هنا قام (ابن نهير) واقفا ، ثم قال بصوت عال: "شف يا عمي ، إذا مشت الأمور على رأيك ، والله ما يمضي عليك سنة ، ألا وأنت هارب من هنا ، وتدور لنياقك المعبار مع (شط الفلوجة) أما أنا ، فمن هذا الموقف ، والله ما أجلس إلا عند الإمام (ابن سعود) " ، فخرج من فوره والتحق فعلا بركب إمام الإخوان .
وخلال هذه الأثناء من تواصل الزحف والعزل ، وفي اعتدال الجو في فصل الخريف عام (1339هـ) تم استغلال حركة قوافل الحج في الأشهر الحرم بحيث تكاملت روافد هذا الحصار ، ونصبت مصائده تماما ، حول مركز الإمارة (مدينة حائل) وتمت السيطرة والتحكم بجميع المداخل والمخارج ، إلا أنه كان يسمح بمرور الخارجين منها بسلام ، بينما لا يسمح للوافدين إليها أيا كانوا ، وقد كان حصارا تجويعيا استسلاميا ، أهم ما كان يخشى حينه ، في حال ما لو يخرج أفواج الإخوان عن طاعة القيادة الإمامية فيهاجموا المدينة ، فهاهي (الحور تحت السور) كما يرونهن (كذابوهم) يوميا ، وذلك ليستقبلنهم ويباركنهم حال هجومهم المقدس على معقل الشيطان الأكبر ،هكذا أدمنوا التلذذ بنشوة غوايتهم في القتل والبطش والتنكيل وشق البطون وال(...)ب والتدمير والنهب والسلب ، لاسيما من غنائم حائل ومكنوزاتها المهولة والمضخمة أضعافا ، امتد هذا الحصار ، ما يقارب الأربعة أشهر ، وقد تمخض عن (تنفيذ عملية تسليم سلمي سرية) نفذت تدريجيا منذ بداية الحصار ، وقد رتبت بموجب اتفاق تم ما بين (الإمام عبد العزيز) ممثلا في ابن عمه ((سعود بن عبد العزيز الكبير (العرافة)) وبين بعض وزراء الأمير (ابن رشيد) على أن يطال أمد الحصار ، بحيث يرافقه تدريجيا ، العمل على تنفير الحشود المرابطين المتحمسين للدفاع عن المدينة وعن قصر الحكم (برزان) وعن الأمير (محمد الطلال) من خلال العمل على بعث كل دوافع الإحباط فيهم ، وتجويعهم وإرهابهم بإمكانية حدوث هجوم مفاجئ من الإخوان الفوضويين القتلة ، ذلك لخفض معنوياتهم وبث الروح الانهزامية فيهم ، مع فتح المجال بنفس الوقت ومن الطرفين لانسحاب من يرغب ، وكان ذلك يترافق مع سحب المخزون الغذائي تدريجيا من القصر ، وكذلك من السوق ، يروى هنا ، عن الفارسين الشهمين ردن وأخوه رديني من آل أسلم ، وكانا أثناء الحصار إلى جوار الأمير ، بأن وزير الأمير ، في مساء ليلة السقوط ، قد سأل بصوت عالي عن كمية المخزون الغذائي ؟ فجاءه الرد من أحد عماله قائلا : "بس كيس واحد (شعير) " وحينها كان الأمير حاضرا سامع ، وأنه فقط أطرق برأسه دون ابدأ أي استجابة ، وبأنه ليلتها لم يضل من المرابطين في مربعات حماية السور إلا واحدا فقط في كل مربوعة ، وعدد قليل لحماية القصر ، أما إلى جوار الأمير فقد كانوا فقط ستة رجال أسالمة ، منهم هذان الراويان .
يتبعه التالي:
بسم الله الرحمن ارحيم
خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) : في هذه المقالة سوف نتناول أهم المعطيات التاريخية طوال الحقبة التي تمتد من (عهد شيوخ آل بعير) وحتى (عهد ملوك آل سعود) الحالي ، حيث حدثت متغيرات اجتماعية جوهرية ، تمخضت عن العديد من التحولات العميقة في الواقع الاجتماعي ، ل (ناحية جبال شمر) شمالي (إقليم نجد) ولعل أبرزها تأثيرا هو ما سوف يتم تناوله ، بصورة تفصيلية وموجزة بقدر الإمكان ، وذلك كما يأتي :
أولا :
منذ ما قبل الإسلام ، كان إقليم (جبال طيء) تحت سيادة الطائيين خاصة سلالة الزعيم والقاضي المشهور (قيس بن شمر الطائي) وكان مركزها (صهوة جو) نظرا لتميزها بالمنعة والحصانة ، التي انسحبت على جبل أجا(مناع )وعندما تنازعت لاحقا فروع طيء على السيادة انقسمت السلطة بين فرعين من (القيسيين) أنفسهم وهما : بني عقدة من سنبس ، ومركزهم (عقدة) وبني (أسلم الجرنفش) وضل مركزها (صهوة جو) ، ومن ثم وقبل ما يقارب خمسة قرون من الآن حصل أيضا نزاع على السيادة من جديد وكان محوره هو رفض بعض فروع طيء وأهما (سنبس) لوجود (الضياغم القحطانيين) وحلفائهم ، إلى جوارهم ، وكان يتزعم السلطة في جو أحد أبرز زعماء طيء عبر التاريخ ، وهو ذلك الرجل عظيم المواقف المشهودة ، والذي يكاد يجمع الرواة على أن اسمه الشيخ والقاضي (عيسى بن أجود بن أسلم الطائي) وهذا قد عمد إلى رفع (راية شمر) كراية إلزام ، بدلا من (راية طيء) المتنازع عليها ، ومن هنا فقد أعلن الحرب على كل من لا ينضم تحت لواء هذه الراية الجديدة ، هنا انضم إليها (الضياغم القحطانيون) وحلفاؤهم ، ودارت المعارك ودامت سنين ، و غالبا فقد كان النصر والغلبة من نصيب هذه الراية ، حتى تم كسر وإجلاء كل من وقف ضدها ، وكان آخرهم (حلف بهيج من سنبس) وحلف (آل عروج مقدم بني لام) في هذه الأثناء سقطت (عقدة) وتم نقل مركز السلطة وهي (مشيخة حكم عرفي) من (صهوة جو) إلى (مدينة قفار) التاريخية ، وكان ذلك في عهد (شيوخ آل بعيِّر) من (أسرة آل بقار) العريقة .
ثانيا:
لقد مضت السنون والعصور حتى أراد الله تغيير الحال ، ذلك عندما انتشرت (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ) في (نجد) فيما بعد (منتصف القرن الثاني عشر الهجري) وكان أهم وأول ما تضطلع به تلك الدعوة إنما يتمثل في تكفير شيوخ العرف القبلي ، واعتبارهم طواغيتا يحكمون بغير ما أنزل الله ، وهكذا فإنهم برأي هذه الدعوة أطغى من (كفار قريش) وأنجس من (أصنام الجاهلية) وأن كل ما يخصهم من سلطان ومال وعرض مباح وغنيمة للمسلمين ، وبأن النيل منهم أجر وغنيمة ، كما أوجبت بل وفرضت العمل على حربهم وإسقاطهم ، والتخلص تماما منهم ، من أجل استبدال حكمهم العرفي الكافر ، بحكم إسلامي أصولي ، وكان أهم وأبرز نظامين عرفيين قائمين هما : (حكم آل بقار في جبال شمر) ويمتد نفوذه شرقا حتى غربي (جبل طويق) و(حكم آل عريعر في الأحساء) ويمتد نفوذه غربا حتى شرقي (جبل طويق) .
ثالثا :
مع نجاح (الدعوة السلفية) في (الدرعية) وقيام الإمامة السعودية (الأولى) وتمددها كان قد سقط (حكم آل عريعر) ، وبدأ انحسار (نفوذ جبال شمر) من ناحية الشرق ، وبدأ أنصار الدعوة الجديدة بالتكاثر ، وكان أهم مراكزهم في (قرية حائل) لدى شيخ العلم الشرعي ( محمد بن علي) حيث توجد لديه مكتبة وكتاب ومكان لإقامة طلاب العلم ، وقد كان (شيوخ آل بعيِّر) وهم أهل المقلدات في السلم ، بين قبائل العرب ، يحيلون عليه حالات التقاضي الشرعي ، في بعض القضايا الدينية البحتة ، مثل قضايا الزواج ، والمواريث ..الخ ، وكان يتمتع بمنزلة كريمة لديهم ، والشواهد على ذلك كثيرة ومؤكدة .
رابعا :
قبل نهاية (القرن الثاني عشر الهجري) بقليل وأثناء عهد الشيخ الجليل والمسن جدا حينها (إرحمة بن بقار) الملقب (كريم سبلا) انتهز أنصار تلك الدعوة وجود بعض الخصومات القديمة والحديثة ، وذلك بين (شيوخ آل بقار) من جهة وبين باقي (شيوخ آل بعير) لاسيما من (آل قدير وآل وهب) وكان معهم باقي (شيوخ آل أسلم) وفي مقدمتهم (ابن طواله) الذي كان قد بدأ نجمه بالتألق ، وهكذا فقد تم تأجيج الصراعات حتى حصلت فتنة عظيمة (فتنة آل أسلم الكبرى) وبدأ نزاع (شيوخ آل بقار) مع أبناء عمومتهم من (شيوخ آل أسلم) حتى تم اغتيال الشيخ الهرم (كريم سبلا) وهو خارج لتفقد العرض أمام القصر صباح يوم عيد الأضحى ، عندها تمت مبايعة ابنه (الشيخ ناصر) ولكنه كان ضعيفا ، وغير نافذ السلطان ، لتفرق الناس من حوله ، بسبب الانشقاقات والصراعات ، ومع ذلك فقد كان لا يزال حينها يتمتع بالشرعية ، وله العهد والبيعة ، في حمل لواء جبال شمر (راية شمر) التي ورثها عن الأجداد عبر قرون عديدة ، وإليه كان لا يزال يجبى ال(...)ج والأتاوات وغير ذلك .
خامسا :
وعندما هددهم جيش الدعوة بقيادة (سعود بن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود) في وقت كانوا فيه شتى ، وكان من أبرز (شيوخ شمر) غير (آل بقار) حينها ، كل من :
1- ابن طواله وابن عيادة وابن سراي وشيخ آل وهب(ال محمد) والجذيلي ، وهم جميعا من عشيرة (آل أسلم).
2- الشيخ مطلق آل جربا وابن عمه الشيخ مطلق (الصديد) وكذلك شيخ التومان (آل تمياط) وهم جميعا من عشيرة (زوبع) .
3- اجتمعوا هؤلاء ومن معهم ، ليتشاوروا فانشقوا إلى فرعين ، ولهذا جاءت تسمية موقع الاجتماع ب(ماء الشقيق) وتقوم عليه حاليا قرية صغيرة (لآل عمود) غربي (جبل أجا) وكان الفرعان أو الحلفان هما :
الأول: ويتمثل في (جناح الصايح) بزعامة الشيخ ابن طواله ومعه أغلب شيوخ آل أسلم ، بالإضافة إلى كل من الشيخ ال تمياط ، والشيخ مطلق (الصديد) على أن هؤلاء من أنصار الدعوة الجديدة ، فهم إذا ضد استمرار شرعية (حكم آل بقار) كونه على حد زعمهم نظاما عرفيا طاغوتيا كافرا..
الثاني : ويتمثل في (جناح الشيخ مطلق آل جربا) والذي كان قد بدأت ترتفع أسهمه ، حيث أخذ يتزعم قيادة غالبية فروع (قبيلة شمر) عندما ضعف سلطان (شيوخ آل بقار) منذ حوالي عقدين من الزمن ، وبما أن (الشيخ آل جربا) من فرع (عشيرة زوبع) الطائية ، فقد كان يحلم في أن يرث تلك السلطة القائمة والخاوية ، وقد كان فارسا صنديدا جبارا لا يجارى . وهكذا نجده قد وقف في الطرف المناوئ للدعوة ، وأخذ بتجميع الأحلاف والأنصار لغزوها والفتك بها في عقر دارها ، فانضم إليه ، القليل من عشيرتي (آل أسلم وزبع) والغالبية من عشيرة (عبدة) ، بالإضافة إلى بعض عشائر من خارج شمر ، وأهمها من مطير وحرب وعنزة .. إلا أن الرياح قد جاءت بما لا يشتهي أنصار (جناح آل جربا)..
سادسا :
وفي حدود عام (1205هـ) التقى الجمعان في موقع (العدوة) شمالي (جبل سلمى) فكان الأول : يتمثل بقوات الإمام بن سعود ، مدعومة بجناح الصايح من شمر ، أما الثاني : فيتمل في القوة العسكرية التي حشدها (الشيخ آل جربا) وقد انتهت المعركة بمقتل (الشيخ آل جربا) وهزيمة أنصاره وتفرقهم ، وهجرة غالبيتهم إلى العراق ، بمن فيهم غالبية (آل بعير).. بينما لحق بهم البقية مع هجرة (الشيخ ال صديد) لاحقا ، حيث يقول الشاعر المهاجر :
من 0نجد) جينا معتلينٍ ظهورها = موارث (الصيداد) مع (آل بعير)
وهكذا فإنه بسقوط حكم آل بقار ، وبهزيمة الشيخ آل جربا ورحيله ومن معه ثم من لحقوا به من شيوخ آل بعير وآل صديد ، فقد تفككت قبيلة شمر ككيان له نظامه ورايته وسلطته المشرفة ، بحيث يمكن القول بأنها قد أسقطت وربما ماتت في في جبال شمر شمالي نجد ، ولكنها قامت وتجددت مرة آخرى تحت زعامة شيوخ آل جربا ، في ديار المهجر (العراق) حيث هاجر حينها ما يقارب من ثلثي القبيلة ، وكانت غالبيتهم من شمر الطائية
سابعا :
وحيث قد تحقق النصر في معركة العدوة لجيش الدعوة الدينية التي تناصب البداوة والقبلية العداء ؛ فقد عمد الإمام المنتصر إلى تفويض رجل من أنصار الدعوة الحضر ، وهو شيخ العلم المفتي الشرعي (محمد بن عبد المحسن بن علي) وذلك لرعاية البلاد والعباد في هذا الإقليم ، وقد أطلق عليه مسمى (شيخ الجبل) وهكذا فقد تم نقل مركز السلطة من (مدينة قفار) العامرة ، إلى الموقع المسمى (مدينة حائل) وكانت قرية صغيرة حينها .
ثامنا:
في حوالي عام (1234هـ1818م) داهمت حملت إبراهيم باشا الدرعية وهدمتها وقتلت من قتلت ، ثم أخذت معها الإمام عبد الله بن سعود لتسليمه إلى الباب العالي في استانبول كما تم أسر البعض من أسرته ، ونقلهم إلى (مصر) وكان من بينهم ، ذلك الشاب النابه فيصل بن تركي آل سعود ، وهكذا سقطت الدولة السعودية الأولى في الدرعية>> .وبهدف القضاء المبرم على تلك الدعوة السلفية(الوهابية) التي كانت تناصب (العثمانيين) العداء ، وحيث قد صارت حائل من أهم مراكزها ؛ فقد داهمت الإقليم (الجبل ) وقطعت رأس شيخ الجبل محمد بن عبد المحسن بن علي.
تاسعا:
وقد تولى مشيخة الجبل من بعده أخوه [[صالح بن عبد المحسن آل علي]] وكان سلطانه (بن علي) ضعيفا ومتخاذلا برأي البعض أمام صولات العشائر البدوية وجولاتها ، فقد استمر النزاع بين شيوخ آل أسلم كما انتهزت فرصة ضعفهم بعض القبائل المجاورة ، وأهمها قبائل عنزة التي بدأت تهدد كيانهم لتحقيق ذلك الحلم القديم في الاستيلاء على هذا الإقليم جبال شمر حيث قد حصلت وقعات كثيرة أهمها مناخ ضفرة الشهير ، فجعل الناس يتذمرون من تخاذل الشيخ بن علي لضعف وطنيته ، وكان في مقدمة من تمردوا عليه بعض أبناء عمومته ، لاسيما ابني ذلك المزارع الحصيف والمتدين والمسالم (علي بن رشيد) وهم كل من ذلك الداهية الثلاثيني [[عبد الله بن علي آل رشيد]] وهو متزوج من سلمى بنت صالح بن علي وكذلك أخيه الفارس الصنديد [[عبيد بن علي آل رشيد]] .. ،
وقد ضاق الشيخ ذرعا بكل من عبد الله وأخيه عبيد الرشيد ، ولما ضيق عليهما وفي غضون عام (1236هـ1820م) أخذ (عبد الله بن رشيد) زوجته (الحبلى) وبمعية رفيقه وعبده المشهور (حسين) ، وهربوا أولا إلى قرية جبة ومنها إلى (العراق) وأثناء ما هم في طريق الهرب أنجبت زوجته ابنا ، فأوعز إلى رفيقة بأنه إذا تمخضت فليتخلص منه حتى لا يعوقهم فيلحق بهم القوم ، ولكن حسين ، اتفق مع أمه على أن يحملانه بحيث لا يلاحظه عبد الله ، وعندما وصلوا جبه ، ونظرا لماهم فيه من الشقاء والمشقة أسماه (متعب) ولا أعلم هل تركها وابنها في جبة أما أخذهما إلى العراق ، والأرجح بأنه تركهما ، وقد مات هذا الوليد متعب بعد فترة ، وقد تزوج عبد الله لا حقا بأم طلال ومتعب ، وهي منيرة ابنة عمه (عبد الرحمن بن جبر آل رشيد) ثم التم شمله بعد عودته بزوجته سلمى بنت صالح بن علي فأنجبت له ابنا أسماه محمدا ، وأما أخيه (عبيد) فقد زبن ولجأ عند [[آل وهب]] في [[جبل سلمى]] المنيع .
قال الشاعر عبد الله أثناء حالة الهرب قصيدته المشهورة والتي يوجهها إلى رفيق دربه (حسين) ليساعد زوجته على مشقة المسير ، والتي منها قوله :
وإن شلتها يا حسين تر ما بها شين = ترا الخوي يا حسين مثل الأمانه
كما شرح معاناته المريرة في القصيدة الطويلة التي كان مطلعها :
يا هيه يا اللي لي مـن النـاس وداد = ما ترحمون الحـال يا عزوتـي ليـه?
ومنها قوله:
من يوم شفت الشوق مزبور الانهاد = متمشلحٍ ياطا على أطـراف رجليـه
والشوك مالـه عـن مواطيـه ردّاد = الاّ ولا سـبـتٍ قــويٍ يوقّـيـه
وقوله:
و(جبّة) سقاها من أول الوسم رعّـاد = ما طالعت خشم (أم سنمـان) تسقيـه
عاشرا :
استعاد (الإمام تركي بن عبد الله) الإمامة وأنشأ (الدولة السعودية الثانية) والتي أصبح مركزها الجديد في (الرياض) كما عاد ابنه (فيصل) هاربا من (سجن محمد علي باشا في مصر) عام (1242هـ) بعد أن أمضى في الأسر ما يقارب التسع سنوات .. وكان ذكيا واعيا ملما بأطراف الأمور ، قد صقلته المعاناة بما يكفي للفوز بحظوة وثقة والده (الإمام تركي بن عبد الله).
حادي عشر:
عندما وصل المتمرد الهارب (عبد الله بن رشيد) إلى (مدينة بغداد) ضل مع رفيقه الوافي (حسين) في معاناة وصراع مع الحياة ، بحيث لم يتركا وسيلة للكسب لم يفعلاها ، كما قد كونا علاقات قوية ، مع رجال وأبناء (الباشوات العثمانيين) وبعد أن أمضيا ما يقارب السبع سنوات في بغداد ، يقال : بأنهما قد حصلا أو عثرا يوما ما على كمية مغرية من التحف والمجسمات وهي من الذهب الخالص ، وقد عمدا إلى دفنها وتركها ، ليبحثا في إمكانية تسويقها ، ولعلهما يجدان من يمكن مفاتحته في مثل هذه البضاعة الثمينة والخطرة جدا ، وقد تذكرا ذلك الشيخ الوقور والحكيم الذي قد عملا لديه يوما من الأيام ، فقررا الذهاب لمشورته في الأمر ، وهكذا فقد ذهبا إليه ، وقالا له : بأنهما ومن خلال عملهما في الحفر ، قد عثرا على كنز ثمين ، ولكنهما لا يعرفان كيف يتصرفان بأمره ؟! هنا قال الشيخ : من أي بلد أنتم ؟ قالا : بأنهما من ديار نجد ، قال إذا : فما الذي جاء بكما إلى هنا ؟ فسرد (عبد الله بن رشيد) قصته مع شيخ الجبل (ابن علي) وبأنه لو عاد فقطعا سيقتله ، قال الشيخ : وابن علي هذا من الذي ولاه الأمر لديكم ؟ قالا: بأنه والي من قبل (الإمام بن سعود) في (الدرعية) وحاليا أصبح مركزهم في (الرياض) قال الشيخ : وهل ستأخذان بما أراه لكما حيال بضاعتكما المخيفة هذه؟؟ قالا : قطعا لن نخالفك في أمر ما وقد جئنا لنستأنس بما عرفناه من حكمتك وثاقب بصيرتك ، منحك الله الصحة والعافية وجزاك عنا خير الجزاء ، قال : ها إذا احملا بضاعتكما ولتكن غير مرئية ، وانطلقا إلى الإمام في الرياض ، وقدماها هدية ولاء وطاعة وتقرب بين يديه ، وسوف يصلح بإذن الله كل شأنكما وتنتهي معاناتكما ، وهكذا فقد أخذا برأي الشيخ الحكيم فانطلقا إلى الرياض وتمت الأمور كما رأى ناصحهما ، فقد قبل الإمام تركي الهدية وأكرم نزلهما ، كما اتخذ من (عبد الله العلي آل رشيد) مرافقا ووجيها مسموع الكلمة ومحترم الرأي لدى ابنه (فيصل) الذي ولشدة إعجابه برجولته ومروءته وشجاعته ورجاحة عقله فقد تزوج بواحدة من أخواته .
ثاني عشر:
وفي (الحادي عشر من شهر صفر 1250هـ/18 يونيو( 1834 قتل العبد المسمى (حمزة) بمدسه عمه الإمام تركي ، وكان ذلك بتوجيه من ابن عمه (مشاري) وهو ألذي كان قد وجهت إليه القصيدة المشهورة لنخوته ، عندما كان (فيصل بن تركي) أسيرا في مصر ، والتي جاء مطلعها:
سر يا قلم واكتب على ما تورى = أزكى سلام لابن عمي مشاري
عند مقتل الإمام تركي ، كان ابنه فيصلا في طريق العودة ضمن حملة يقودها لتأديب بعض المتمردين في القطيف ، حيث قد استتب له الأمر وعاد ، وأثناء فترة توقف الحملة للغداء ، تلقى خبر مقتل أبيه من ابن عمهم (مشاري) الذي قد بويع بالإمامة من البعض ، ودخل قصر الحكم ، هنا اختصر (فيصل) ببعض رجاله ومن بينهم الرجل الأول لديه (عبد الله بن رشيد) واستشارهم في الأمر ، هنا اختلفت وتضاربت الآراء ، كما لم تكن حازمة ، كما يجب ، في رأي ابن رشيد ، هنا نجده قد توجه بالكلام إلى فيصل قائلا : دع الأمر علي ، ولا أريد منك إلا أن تعطيني حرية التصرف المطلق في هذا الأمر ، على أن يكون ذلك ممهورا منك بعهد الأمان ، قال فيصل: وبعهد الله لك ذلك .. انطلق ابن رشيد ومعه عبده الخاص ، وقيل رفيقه حسين ، ولما وصل إلى الرياض رتب مع بعض من يثق بهم من رجال القصر ، على أنه بعد عودة الإمام الجديد (مشاري) من المسجد لصلاة العشاء مباشرة ، يتم إطفاء جميع مصابيح الزيت المشعلة ، ليصبح القصر ظلاما دامسا ، وحيث كانت لا تزال لدى (ابن رشيد) أداة للتسلق ، وهي عبارة عن خطاطيف أو كلاليب كانا هو ورفيقه يستعملانها أحيانا لتسلق بعض الأسوار في العراق .
ثالث عشر:
ومع انسدال الظلام ، رميا بخطاطيفهما وتسلقا القصر ، الذي يعرفان تفاصيله ، مكثا ينتظران فراغ الإمام من صلاة العشاء وعودته ، لا يحملان معهما سوى حبال وخطاطيف وسيفين ، والمهم أنه عندما دخل الإمام ، وتم إطفاء المشاعل ، ربطا حبلهما وانخرطا من الفتحة الموجودة في سقف غرفة نوم الإمام (السوامة) فأمسك عبد الله بمشاري من الخلف وثبت عضديه ، ولكنه (مشاري) ضل يحز بالسيف على كتف (عبد الله بن رشيد) فأرهقه قبل أن يتدخل صاحبه ، ولكونهم في الظلام ، لذلك كان صاحبه عندما يمسك بعضو يقول: هل هذه منك يا عمي ؟؟ وعندما لا يحس عبد الله بشيء يرد بقوله : إذا بيدك شيء أقطه ، فيقطعه العبد ، حتى انتهى مشاري ومات ، عندها عاد فيصل سريعا وخلف والده بالإمامة ، وذلك في نفس العام (1250هـ) وقد عادت بعد فترة وجيزة ، كل المياه إلى مجاريها ، واستتب له الأمر .
رابع عشر:
لقد أراد (الإمام فيصل) مكافئة (ابن رشيد) على فعلته ، التي أصيب جرائها إصابة بليغة ، وذات يوم فاتحه الإمام حول هذه الرغبة الخاطرة لديه ، وطلب منه أن يطلب ما يشاء ، ليعطيه مطلبه ، شكره بن رشيد وطلب منه توليته حكم الجبل ، بدلا من الشيخ الحالي (ابن علي) هنا عرض عليه الإمام حكم الأحساء بدلا من الجبل كونه بلدا ثريا بالزراعة ، وقد ألح عليه بذلك ، ولكنه (ابن رشيد) أصر على حكم الجبل ، ولا شيء غيره ، وهنا لم يكن من الإمام فيصل إلا أن يعطيه مطلبه ، ذلك برغم أن زوجته (أخت ابن رشيد) قد حذرته من أن يولي أخيها عبد الله على حكم الجبل ذو التاريخ المعروف بالمنعة والتمكين ، ولكونه (ابن رشيد) رجلا قياديا محنكا (كاريزماتيا) ومن حوله أهله وعزوته ، بما يمكنه من أن يقوى ويتمرد على الإمامة (السعودية) وقد حصل فعلا ما توقعته أخته (زوجة الإمام) ولكن كان بأسلوب نبيل ندر أن نجد تجربة في السياسة مثلها (كما سنرى) وللزوجة هنا قصيدة مشهورة تلوم على زوجها الإمام ، توليته لأخيها على جبل شمر ، جاء مطلعها :
حر شلع ما بين (فيصل ودواس) = يم (الجبل) طير فروق الحباري
خامس عشر:
وهكذا فإنه بعد ما يقارب (14سنة) قضاها هاربا أو لاجئا ، وفي حدود عام (1251هـ) استلم (الأمير عبد الله العلي آل رشيد) خطاب التفويض ، ومضمونه عزل شيخ الجبل (صالح بن عبد المحسن بن علي) وتولية (عبد الله بن رشيد) أميرا محله ، فانطلق هذا الأمير إلى ناحية الجبل ، وتصارع لفترة مع آل علي ، وقد تم استدعاء قوة عثمانية ، وأخيرا استتب له الأمر بمساندة أخيه الفارس عبيد بن رشيد ، وقد نجحت قيادته وقويت شوكته وازدهرت إمارته ، وفي عام (1254هـ) عادت إحدى حملات (محمد علي باشا) وداهمت مركز الإمامة (الرياض) وتمكنت من أسر (الإمام فيصل) ونقله إلى (مصر) وفي هذه الأثناء تعرضت هذه الإمارة للاختبار الأول ، ذلك عندما استغل هذه السانحة (أهل القصيم) ومعهم غالبية (عشائر عنزة) فحشدوا حشودهم وزحفوا لإسقاط هذه الإمارة التي لا تزال فتية في إقليم (جبال شمر) ذا التاريخ المجيد والعريق ، وقد التقى الجمعان في موقع (بقعاء) حيث حقق (ابن رشيد) انتصارا مذهلا وساحقا ماحقا في (معركة بقعاء) الشهيرة وذلك عام (1257هـ) .
في تلك المعركة ذائعة الصيت ، والتي كان بطلها الفارس (عبيد العلي الرشيد) الذي قال مخاطبا من تهيبوا عن خوض تلك المعركة لقلتهم في مقابل كثرة الخصم :
اضرب على الكايد إلى صرت بحلان = وعلى الولي وصل الرشا وانقطاعه
أما تجي بعقود لؤلؤ ومرجان = وإلا لشيطانٍ يطير بشعاعه
وعند نهايتها وكان في نشوة النصر ، وحتى قبل أن يغسل الدماء المتجمدة عن كفيه ، من الضرب بالسيف على الرقاب ، قال قصيدته المشهورة التي منها قوله :
أنا أحمد اللي هبهب الريح يا (حسين) = صارت على (القصمان وأولاد وايل)
واللي ذبحت بشذرة السيف تسعين = ألا ولاني عن طردهم بسائل
نجرهم بالقاع جر ال(...)فين = وأمسى (صفا بقعاء) من الدم سايل
وهكذا وبهذا النصر الحاسم والناجز ، فقد لمع نجم (إمارة الجبل) الناشئة وأصبحت مرهوبة الجانب ،ومع ذلك فقد ضلت هذه الإمارة القوية ، موالية ومدينة منذ نشأتها للإمام بن سعود ، وهكذا فإنه وبعد تسع سنوات من الأسر تمكن (الإمام فيصل) من الهرب مرة أخرى ، من مصر ، وعاد إلى نجد ، وهنا فإنه من الطبيعي والبديهي وكرد للجميل وحفظا للولاء ، فلابد من أن يناصره ويعضده (الأمير بن رشيد) حتى يمكنه من استرداد عمامة الإمامة التي تعاقب على ارتدائها عدد من الخلفاء المتخاصمين ، أثناء فترة أسره في مصر، وبذلك فقد استعاد الإمام فيصل عرشه ، حتى توفي عام (1282هـ).
سادس عشر:
تجدر الإشارة هنا إلى فائدة حول ظاهرة هامة أسميتها (فتنة النزعتين القبلية المدنية) حيث وجدتها لا بد وأن تستشري وتنخر في كل كيان سياسي ، حتى تفتك به وتقوضه من الداخل ، إلا أنها غالبا ما تكون مستترة خلف السطور ، لاسيما في الاستقراء غير الفاحص للسرد التاريخي البحت ؛ وهي تتجلى في حالة من الصراع والتناحر بين محورين رئيسين متناقضي المصالح ، وفي ذات الوقت عميقين في تكوين الواقع الاجتماعي ، بحيث يؤثران على جميع نواحي الحياة ، ولكن السلطة السياسية نجدها تستجيب لهذه الحالة وتبرز فيها أكثر من غيرها ، لاسيما في إقليم (نجد) قلب جزيرة العرب ، وهذان المحوران هما:
الأول: محور أنصار النزعة البدوية القبلية والإعلاء من شأن كل ما يتعلق بذلك من : ثقافة وفكر واهتمامات وعادات وتقاليد وقيم وأعراف وقناعات وميول مع انتماء لعصبية قبلية وولاء سكاني وحياة بدوية ومشيخة قبلية ...الخ.
الثاني: محور أنصار النزعة الحضرية المدنية والإعلاء من شأن كل ما يتعلق بذلك من : ثقافة وفكر واهتمامات وقيم وعادات وتقاليد وقناعات وميول مع انتماء وطني وولاء مكاني وحياة حضرية ووعي ديني تشريعي ونظام حكم مدني...الخ.
علما بأن الصراع وفقا لهذه النزعة الازدواجية ، إنما يتفجر غالبا في قصور السلطان نتيجة لتعدد الزوجات ، واستخلاف الأبناء من زوجات متعددة ومتمايزة الأصول والولاء والثقافة ، ومن ذلك تاريخيا نجد مثلا ، ما حصل بين أبناء الخليفة العباسي (هارون الرشيد) وهم كل من الأمين والمأمون والمعتصم .
وهكذا فإنه نتيجة لمثل هذه الحالة من الصراع ، ونظرا لعدم تنظيم انتقال السلطة وتداولها سلميا ؛ فإن عرش هذه الإمارة (إمارة الجبل) ومنذ رحيل رائدها الأول (عبد الله العلي الرشيد) في جمادي الأولى سنة 1263هـ/1847م .وحتى حينه فقد تعاقب عليه عدد من الأمراء ، وهم كل من : طلال العبد الله حتى توفي بالدسيسة وقيل بأنه انتحر في قصر برزان وقيل أثناء زيارته للرياض عام (1283هـ) ثم تولى الإمارة أخيه متعب العبد الله وهذا حصل بينه وبين الأمير عبيد بعض الخصام مما أدى إلى أن اغتاله بندر بن (أخيه طلال) عام (1285هـ) وتولى الإمارة ، مما أغضب عليه عمه (محمد العبد الله) الذي غادر إلى العراق ، ومنها إلى الرياض ، حيث مكث فترة لدى الإمام (عبد الله الفيصل) وبعد وفات عمه (الأمير عبيد آل الرشيد) عاد حوالي عام (1286هـ) وتصالح بداية الوقت مع الأمير بندر إلا أنهما قد تنازعا لاحقا بخصوص قافلة لقبيلة الظفير ، فقتله محمد ، وتخلص لاحقا من جميع أبناء أخيه (الأمير طلال العبد الله) ، وهم ستة أبناء بينما سلم منهم الطفل الصغير( نايف) ، وهكذا فقد استلم محمد الإمارة في حوالي عام (1388) ويعتبر درة التاج في العقد الفريد لأمراء آل رشيد النبلاء فله من الألقاب الشرفية الكثير نجد منها مثلا : خيران والمهاد والكبير بل وحتى أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين ، فقد كان عهده كله خير ورخاء وبركة ، وذلك بصورة فريدة تختلف عن كل ما اعتاده الناس ، لا فيما كان قبله ولا فيما جاء من بعده ..
سابع عشر:
ونتيجة أيضاء ل (فتنة النزعتين القبلية المدنية) المشار إليها ، فإنه بعد أن توفي الإمام فيصل عام (1282هـ) دب الخلاف بين أبنائه كل من عبد الله وسعود وعبد الرحمن ومحمد ، وعندما طال التطاحن بينهم وصار الصلح فيما بينهم أمرا ميئوسا منه ، وحقنا للدماء ، تدخل الأمير القوي جدا حينها (محمد العبد الله الرشيد) وأطبق على معقل الإمامة في (الرياض) فضمها إلى (إمارة الجبل) وجاء بالبعض من أبناء (الإمام فيصل) وعوائلهم إلى مدينة حائل وأكرم نزلهم ، وقد مكثوا مليا ، ثم نصَّب أمير الجبل (عبد الرحمن بن فيصل) واليا له على الرياض ، وبعد فترة حصل تمرد من أهل القصيم ومعهم بعض العشائر ، طامعين في الاستقلال ، عن سلطان إمارة الجبل ، ولكنه (ابن رشيد) كسر ذلك التمرد ، وشتت شمله في (معركة المليداء) الفاصلة في ( 13/6/1308هـ) وحيث قد علم (الأمير محمد بن رشيد) عن وجود حشد وتحرك من بعض (كبار آل سعود) لنصرة (أهل القصيم) ضده ، عندها تحرك فورا من القصيم ، صوب الرياض ، وعندما علم الحاشدون ضده عن الهزيمة التي حلت بقومهم ، تفرق شملهم ، بينما هرب (عبد الرحمن بن فيصل) ومعه أغلب رجالات (آل سعود) إلى الخليج ثم إلى الكويت ، وهكذا فقد استقلت (إمارة الجبل) فعليا وتماما عن الإمامة الساقطة ، كما استتب الأمر في كل (إقليم نجد) وما جاورها ، لهذه الإمارة ، وكان ذلك هو العصر الذهبي لهذه الإمارة ، ولكنه لم يدم طويلا .
ثامن عشر:
في سنة (1315هـ) توفي أمير الجبل الشهير (الأمير محمد العبد الله الرشيد) وكان عقيما لا نسل له ، وقد خلفه ابن أخيه الأمير عبد العزيز المتعب (الجنازة) وهو ابن الأمير متعب الأول ، وكان (الجنازة) شجاعا عاشقا لخوض المعارك ذو شكيمة وبأس لا يهاود ولا تلين له قناة ، وحيث قد ساءت علاقاته مع البريطانيين بعد أن رفض موالاتهم واعتذر عن قبول وجودهم في جزيرة العرب ، فقد عمدوا إلى استفزازه ، حتى غزى الكويت ، بعد ما يقارب العام على استلامه الحكم ، وذلك تماما كما حصل مع الرئيس العراقي صدام حسين ، وهنا وفي عام (1318هـ) حشدت بريطانيا جيشا قوامه (10000) مقاتل ، يتكون من كل قبائل الجزيرة العربية ، وأهالي الخليج والقصيم وغيرهم ، بقيادة أمير الكويت (الشيخ مبارك آل صباح) وكانت المهمة هي الزحف نحو عاصمة ابن رشيد (مدينة حائل) وحصارها حتى إسقاط هذه الإمارة نهائيا ، ولكنهم عندما كانوا في موقع يقال له (الصريف) شمالي القصيم داهمهم فجأة ذلك القائد الفذ المقدام (الجنازة) وذلك فقط بخمسمائة مقاتل انتحاري من أبناء شمر الأشاوس ، وبخطة عسكرية مبتكرة وتوقيت مناسب ، فهزمهم وقتلهم وفرق شملهم وشتتهم ، ثم طرد من بقي منهم على قيد الحياة وهم قليل جدا ، شر طردة ، وكان من بينهم القائد (ابن صباح) ومساعده (عبد العزيز بن سعود) حيث أنقذهما من القتل بعض فرسان شمر النبلاء ، تحت قاعدة "ارحموا عزيز قوم ذل".
تاسع عشر:
يئست بريطانيا ومن يناصرها من هزيمة إمارة الجبل عسكريا ، وهكذا فقد عمدوا إلى بعض الأساليب (المبتكرة) بخلاف المواجهة العسكرية ، من ذلك خطة (الكوماندوز) التي نفذت في مداهمة حاكم الرياض (ابن عجلان) وقتله في سنة (1319هـ) عندما دخل الملك عبد العزيز وبعض رجاله حصون الرياض بحيث استلم الحكم فيها ، وبدأ بالتوسع ، إلا أنه قد اشتد وطال النزاع بينه وبين ابن رشيد حول الاستحواذ على ناحية القصيم ، حتى تم اغتيال (الأمير عبد العزيز المتعب) بمؤامرة من تدبير المستشارين الإنجليز ، وذلك أثناء تعسكر جيشه في (روضة مهنا) عام (1324هـ) وقد خلف (الأمير عبد العزيز المتعب) ابنه (الأمير متعب الثاني) وتراجع الجيش من القصيم إلى جبال شمر ، وحينها دبت تراجيديا فتنة التنازع على السلطة بين (أبناء آل رشيد) تقول الشاعرة بنية الحمود آل رشيد في قصيدة تحذر فيها ابنها الحاكم (متعب الثاني) من المقربين الطامعين في الحكم كان مطلعها :
أحذرْك يا متعب عن القوم الأدنين = كلٍ يبي له خاتم به رشامي
ولكن عن قضاء الله هيهات أن تغني النذر ، حيث أنه وبنفس السنة وفي الموقع المسمى (الأحيمر) فقد تم اغتياله ، مع أخوته الأشقاء ، كل من محمد ومشعل وابن عمهم طلال النايف ، بينما نجى الطفل سعود(أبو خشم) وهو أخو متعب غير الشقيق ، وكان ذلك من قبل ثلاثة من أبناء عمومتهم ، وأخوالهم المباشرين ، وهم كل من سلطان وسعود وفيصل (سبيت) أبناء جدهم لأمهم (بنية بنت حمود العبيد ال رشيد) الذي قال بالمناسبة تلك القصيدة المبكية ، في فجيعته وحزنه على فعلة أبناؤه بأحفاده ، والتي جاء منها :
هيضـت مـا كنـيـت وابـديـت ما اخفـيـت = ولا نـمـت انــا سايـلـت حـالـي لـحـالـي
ولانمـت انـا عقـب الحـرم ثـم سجـيـت = (الاربــعـــة) بـالـحـلــم كــلـــن نبــالــي
يا لـيـتـنـي قـيـلــت مـعــهــم ولا جــيـــت = ولا شـفـت أنــا ذبـحـت (مـحـمـد) قـبـالـي
(متـعـب) ولــد بنـتـي بشـوفـه تشـافـيـت = لا أبطيـت ما جيتـه هــو الـلـي عنـا لـي
و(مشعل) يـداوي الجـرح لـو ما تداويـت = لا شــفت زولــه يــردن الـمـاء حبـالـي
و(طـــلال) يناجـيـنـي وانـا لــه تـنـاجـيـت = وعــزالله انــه مــن نضـايـض حـلالـي
وعـــز الله إنـــي لـلـمـراجـل تـقـصـيـت = مـار إن جـاء بـوق العهـد مـن عيـالـي
وعـــز الله إنـــي بـالـعـهـد مـا تـرديــت = مـــع نـســل عـبـد الله قــديــم وتــالــي
إلى أن قال بدعوته عل أبنائه القتلة التي استجيبت سريعا:
سلط على (سلطان وسعود وسبيت) = من بعدهم فارقت أنا كل غالي
أما أخت القاتلين ووالدة المقتولين (بنية الحمود آل رشيد) فقد كانت في الحج ولحق بها والدها حمود العبيد ومعهم الطفل الناجي سعود مع أمه وخاله حمود السبهان ولجئوا إلى المدينة المنورة ، وقد قالت أمهم بالمناسبة أشعارا مبكية تفطر القلب وتلهب الضمائر وتنزف الدموع ، ومنها تلك القصيدة التي جاء في مطلعها :
تعززوا للي جلت للمدينة = اللي (عيال أبوَه) تعشوا (عياله)
وقد تولى الإمارة ، الأمير القاتل سلطان الحمود آل رشيد (1324هـ) بينما ولي القاتل الأخر أخاه فيصل الحمود آل رشيد(سبيت) على (ناحية الجوف)
وقد اعتبر هذا الأمير فاقدا للشرعية ولم يلقى قبولا حتى من الأقربين ومما قيل فيه ، قولهم على بحر الحدا :
جيناك يا الشيخ الجديد = عن شوفتك نبحث خفاك
إن كان نوهاتك بعيد = تسري وحنا من وراك
وإن كان نوهاتك قريب = اقعد يا علك في عماك
قطعت ب(عيال الرشيد)= في خيبتك وشو بلاك
والميد ماهو لك مديد = باكر تشقف من (.....)
وبالفعل لم يكن مداه بعيدا ، فبعد أقل من عام تم اغتيال هذا الأمير القاتل بواسطة إخوته ، فتولاها أخاه ولي عهده ، وهو القاتل الثالث الأمير سعود الحمود آل رشيد ، الذي أمضى فقط ربما عاما واحدا ، حيث تم عزله وقيل اغتياله بنهاية عام (1325هـ) وهكذا نجد أن الإمارة تعود مرة أخرى إلى فرع (آل متعب) بعد أن مكثت مشروعيتها ولأقل من العامين لدى فرع (آل العبيد) .
عشرون:
بعد خلع الأمير سعود الحمود ، لم يعد هنالك في حائل من يتولى الإمارة من فرع (آل عبد الله) وهكذا فقد ضلت شئون القصر ولعدة أشهر تدار من قبل السيدة فاطمة الزامل ال سبهان ، وذلك حتى تم وصول من تم استدعائهم بعد قصيدة السنيدي من المدينة المنورة ، حيث بويع على عرشها بالوكالة في عام (1326هـ) ذلك الغلام (12سنة) الملقب (أبو خشم) وهو (الأمير سعود بن عبد العزيز) الناجي الوحيد من المذبحة التي وقعت لإخوانه ، وبولايته أنقذت هذه الإمارة من حالة التدهور والضعف والتردي ، بحيث استعادة الشرعية والثقة وقويت اللحمة بين رجالها وتكاثر أنصارها ، واشتد صلبها ، وعادت هيبتها ، واستعادة سيادتها شبه المفقودة ، وتراجع في عهده (ابن سعود) عن أي جهد عسكري ، خاصة بعد الصفعة التي تلقاها هذا الأخير عام (1335هـ) في (معركة جراب) لاسيما وأنه في تلك الأثناء قد تحول (الأمير بن رشيد) بالولاء نحو سلطان الباب العالي في استانبول ، وبذلك فقد حصل على دعم عسكري ضخم ، ضمن عدة حملات وصلته الأولى منها عام (1919م) بما فيها أول سيارة تدخل جزيرة العرب كهدية تقديرية للأمير ، وهكذا وبعد ما لا يربو عن عام واحد ، نجده يعقد لواء لجيش بقيادة وكيل عرشه زامل السبهان ، حيث تحرك به إلى ناحية الجوف بغرض إخضاعها تحت سلطانه ، وذلك كما كانت تحت سلطان من قبله من أمراء الجبل ، أو شيوخه قبلهم ، ولكن (الجوف) عند تنصيب الأمير سعود بن عبد العزيز ، بعد الأمير القاتل سعود الحمود ، كان الوالي عليها أحد الأخوة القتلة الثلاثة وهو فيصل الحمود (سبيت) وهكذا فقد استقلت الجوف فورا ، جراء فراغ السلطة عند فرار الوالي عليها ، مع تنفيذ حركة شبه انقلابية ، وكانت ظاهريا باسم الشيخ نواف النوري الشعلان ، وقد استمر استقلالها حتى استعادها بعد انتصاره في هذه المعركة (معركة الجوف) وكانت في سكاكا الجوف وذلك مطلع عام (1339هـ) والنصر في هذه المعركة كان يعني الشيء الكثير في حسابات كل من الأمير بن رشيد وأخصامه ، لاسيما وأنها تعد من أكبر المعارك في تاريخ آل رشيد الحربي ربما بعد الصريف أو بعد بقعاء ، ولكن ولسوء الطالع فإنه حينها قد انهزمت دول المحور ومن بينها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، وتم تدمير سكة حديد الحجاز وتعطل (ميناء العلا)الجاف ، وبذلك فقد توقف الشريان الرئيس في دعم هذه الإمارة .
حادي وعشرون:
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما لملمت الإمارة المهزوزة شتاتها نتيجة الفتنة الداخلية ، لاسيما بعد أن تولي الأمير الناجح (سعود العبد العزيز) عرش إدارة الأمور فيها ، وحيث قد خبرت بريطانيا ما يؤكد بما لا يدع مجالا للتجربة أنه لا قبل لهم بلقاء جيش جبال شمر ، ذلك نظرا لقوة اللحمة والتكامل بين الولائين القبلي والوطني ، مدعومة بتاريخ حربي تليد ومجيد ، وبقيادة ملهمة وكارزماتية ، ولهذا فقد عمدت في حوالي عام (1330هـ) إلى بعض حيلها الاستعمارية ، وقد تمثلت في تكوين حركة دعوية جهادية ، شعارها الظاهري نصرة عقيدة التوحيد ورفع رايتها (لا إله إلا الله) وتكفير كل خصومها ، بل كل من ليس معها ، أما الغرض المبطن فهو اختراق الوعي القبلي وتحطيم ولائها وكسر لحمتها لتقضي على ذاتها ، أي هزيمتها داخليا ، ومن ثم تشكيلها في إطار توحيدي واحد يمكن السيطرة عليه وتوجيهه والتحكم به ، وكانت تسمى (حركة الإخوان) أي أخوان من طاع الله ، التي تضم (أهل التوحيد) الذين تتم تغذيتهم بنوع من الأيديولوجيا التكفيرية الجهادية ، لندفعوا تحت شعار : لا إله إلا الله ، على الكفار الله أكبر ، والمقصود بالكفار هم كل من ليس معهم ، فحدث أن انقلبوا الناس عقائديا وفكريا على بعضهم البعض ، وفقدت القدوة وانشقت اللحمة ، ودبت بينهم فتنة التقاتل التكفيري ، وكان هدفها بذلك مزدوج ، تنفيذ المذابح على الموالين للإمارة المستهدفة لتشتيت عنصر القوة المتمثلة بثقل قبيلة شمر ، وذلك بعيدا عن مركز الإمارة (حائل) وبنفس الوقت يتم الزحف نحوها لعزلها تدريجيا ، حتى يمكن السيطرة عليها بسهولة ، وجراء ذلك فقد حدثت مذابح مفجعة ، كان من أفجعها مذبحتي خب الشعيبة وخب الجليدة ، فجر يوم 27 رمضان ، والناس في المساجد ، ومذبحة لينة ، ومذبحة كون الروضة وكون السبعان ، وغيرها الكثير .
وهنا تروى عن مذابح الإخوان وفجائعهم ، الكثير من القصص والقصائد ، أذكر منها ، تلك القصيدة الملهبة للمشاعر عن (مذبحة الجليدة) للشاعرة نزيلة الأسلمية والتي منها:
من عقب ماني صايمه كنت أصلي = جضيت أنا من حر شيءٍ جرى لي
ما عاد لا مدْلي ولا من مْدَلي = على (الجليدة) لا سقاها الخيالي
تسعين لحيه كلهم عزوةٍ لي = (عوجان الألسن) ذبحوهم قبالي
ما منهم اللي ذل وإلا استذلي = ولا منهم اللي إلتجى بجالي
وغدانهم بالقيض ماهم ابضلي = وحريمهم دجت بليا رجالي
اليوم (ضاري) يا بعد كل من لي = وين (أخو صلفه) يا عوض من غدا لي
اغزوا على (الخوَّان) ثاروا بخلي = نبي عليهم مثل يومٍ جرى لي
**وعن (مذبحة مساجد الشعيبة) أذكر قصيدة الشاعر ساكر الخمشي ، والشاهد منها قوله :
ذبحة (أهل المسجد) ركوعٍ وسجـاد =يأتي لها مـن بعـد ذلـك منـادي
يا عل دارٍ حل به ذبح الأجـواد=تأخـذ ثمـان سنيـن ما سـال وادي
وتأخذ ثمان سنين ما جـاه رعـاد=ساكن هواهـا ما يطيـر السمـادي
وترخص بها السلعة ويغلى بها الزاد=وتذهل بها المرضع جنين الفـوادي
**ومن قول الشيخ غضبان بن رمال في ذم المنخرطين في حركة الإخوان:
نكَّاس ل(الخوَّان) دودٍ ولد دود = هذاك ودك ينزع الله شبابه
تمسي وتصبح شاربك فيك مجرود = وتُضرب الى شيفت عليك العصابة
** كانت حركة الإخوان عبارة عن جسم وجناحين ، الجسم (تنظيري لوجستي) غير قبلي وغامض التكوين لا يبرز فيه إلا أهل العلم والوعظ ، أما الجناحين التنفيذيين ، فالأول يمثل قبائل البدو الجنوبية بقيادة (سلطان بن بجاد) شيخ فرع برقا من عتيبة ، أما الثاني فيمثل قبائل البدو في الشمال بقيادة (عزيز الدويش) من شيوخ مطير ، والكل منهما متخصص ومتعهد بتطهير ناحيته من أهل الكفر (غير الموالين).
** وهكذا ، واستجابة لنخوة الشاعرة الأسلمية بالشيخ ضاري بن طواله (أخو صلفة) فقد سنحت لشمر فرصة الأخذ بالثأر من مطير عندما خرجوا على طاعة القيادة ، بقصد إخضاعهم ، وذلك في (معركة المسعري) بأم رضمة في ذي الحجة من سنة (1348هـ) فقد تم قتل الشيخ الدويش وهزيمة من كانوا معه ، جاء دور أخت الدويش قائد منفذي المذابح ، حيث تقول :
يذكر عزيز عليه غبار = بالمسعري تكلح انيابه
ضحوا بهم بالنمش وقصار= يا سعد من شمر أقرابه
اللي علينا عليكم صار= من الي علينا فتح بابه
**وهنا نجد شاعرتنا نزيلة الأسلمية مبتهجة بخبر النصر وقتل الشيخ الدويش ، وترد على من يقولون بحرمة قتلهم في الشهر الحرام (الأضحى) إذ تقول :
يا ميت يا الي بين الاموات نهاج=(أهل الجليدة) خصهم بالسلامي
قضى لهم وليهم عجل الافراج=يوم جرى بالمسعري له كتامي
ميتين مع تسعين والناس حجاج=منهم ذبحنا ، ليه؟! قالوا : حرامي
ما هو حرام ذبحنا عند الإفجاج= الفجر تال العشر شهر الصيامي
نسوانهم بحداد..وأمشي بديباج = توه برد غلي وعيني تنامي
**ومن قصيدة أخرى تقول إحداهن :
اللي يحرّم دمكم بالضحية != كيف يحلل دمنا برمضاني ؟!
ثاني وعشرون:
وقد استمرت هذه الحال من الزحف والعزل بشكل بطيء ، باتجاه تنفيذ حصار مطبق على (مدينة حائل) معقل (ابن رشيد) إلا أنه وفي عام (1339هـ) صدم الناس في جبال شمر بنبأ اغتيال الأمير سعود (أبو خشم) من قبل أحد أبناء عمومته (عبد الله بن طلال النايف الطلال ال رشيد) ، فتولى الإمارة من بعده ابن أخيه (متعب العبد العزيز) الذي اغتيل من أخواله ، وهو ذلك الأمير ما قبل الأخير (عبد الله المتعب) الذي هرب وبقي لاجئا لدى (ابن سعود) في الرياض ، وكان لم يمضي عاما واحدا في سدة الحكم ، وذلك بعد قدوم الأمير محمد الطلال النايف الطلال ، مسك الختام من فصول تراجيديا إمارة آل رشيد المجيدة ، وهذا الأخير هو شقيق قاتل الأمير سعود بن عبد العزيز ، وأحد أخفاد (نايف الطلال) الناجي الوحيد من أبناء (الأمير طلال العبد الله) الذين تخلص منهم (الأمير محمد العبد الله) وكان هذا الأمير (محمد الطلال) كبقية أمراء آل رشيد شجاعا صارما وقائد فذا مقداما ، ولكنه لم يكن محظوظا وربما كان ينخدع كثيرا بأصحاب المئارب والنوايا السيئة من البطانة ، وهكذا نجده قد ساهم هو ذاته ولسوء تدبيره في كسب عداء الناس تشتيت من حوله ، ذلك عندما بدأ عهده بتنفيذ عدة حملات عسكرية على عدد من أهل القرى المحيطة به في جبال شمر ، حيث فتك بعدد من علمائها (الإخوان) ، وبالمناسبة يحضرني هنا موقف يقال : بأنه حدث خلال اجتماع عقده هذا الأمير مع رجالات شمر وأهل الجبل للتشاور حول أسلوب مواجهة هذا المد الحركي المخيف ، والذي لا يمكن مواجهته عسكريا ، وكان يحضر الاجتماع الفارس المشهور ندى بن نهير وكان ذو رأي وبصيرة مع قدر من الشجاعة المادية والأدبية ، وإنه قد دار النقاش بالتركيز على أما المواجهة العسكرية أي بالقوة ، أو بالتفاوض الشرعي حول مسألة تكفيرهم وإعلان الحرب عليهم من قبل قيادة الإخوان ، وكان بن نهير يتابع بصمت ، ما لا جدوى منه ، ذلك كما يرى ، وعند نهاية الاجتماع التفت الأمير إليه ، قائلا : هات رأيك يا ابن نهير، وعندما ألح عليه قال : يا كويل العمر (ابن سعود) يبينا نطوي على رؤوسنا خرقه (عمامة) ونقول : أنت الإمام ، ولك منا السمع والطاعة ، وهكذا سيبقى كل منا في مكانه ، محافظا على وضعه ، من يدري ربما تنفرج قريبا ، لسبب ما ، فلعل مسدسه هذا (الإخوان) الذي يرهبنا به ، يرتد يوما عليه فيخلصنا من عمائمة (ينقلب السحر على الساحر) كان من بين الحضور رجل يكبر المتحدث (ابن نهير) سنا ، ومن كبار البطانة الأميرية الواصلين جدا ، قيل بأنه إما سعود بن سبهان (المتوقد) أو (عقاب بن عجل) خال الأمير عبد العزيز (الجنازة) المهم أنه ، قاطع حديثه بقوله وهو يقبض على نصاب سيفه ، وبلهجتة الحائلية : "شف يا وليدي ، الله يصلحك ، حِـنَّا أخذناها ، بحد هالسيف ، ما أخذناها باء تاء ثاء ، لكن إذا تبي عمك (ابن سعود) توكل على الله ، هذا هو ، الله يعطيك بركته" هنا قام (ابن نهير) واقفا ، ثم قال بصوت عال: "شف يا عمي ، إذا مشت الأمور على رأيك ، والله ما يمضي عليك سنة ، ألا وأنت هارب من هنا ، وتدور لنياقك المعبار مع (شط الفلوجة) أما أنا ، فمن هذا الموقف ، والله ما أجلس إلا عند الإمام (ابن سعود) " ، فخرج من فوره والتحق فعلا بركب إمام الإخوان .
وخلال هذه الأثناء من تواصل الزحف والعزل ، وفي اعتدال الجو في فصل الخريف عام (1339هـ) تم استغلال حركة قوافل الحج في الأشهر الحرم بحيث تكاملت روافد هذا الحصار ، ونصبت مصائده تماما ، حول مركز الإمارة (مدينة حائل) وتمت السيطرة والتحكم بجميع المداخل والمخارج ، إلا أنه كان يسمح بمرور الخارجين منها بسلام ، بينما لا يسمح للوافدين إليها أيا كانوا ، وقد كان حصارا تجويعيا استسلاميا ، أهم ما كان يخشى حينه ، في حال ما لو يخرج أفواج الإخوان عن طاعة القيادة الإمامية فيهاجموا المدينة ، فهاهي (الحور تحت السور) كما يرونهن (كذابوهم) يوميا ، وذلك ليستقبلنهم ويباركنهم حال هجومهم المقدس على معقل الشيطان الأكبر ،هكذا أدمنوا التلذذ بنشوة غوايتهم في القتل والبطش والتنكيل وشق البطون وال(...)ب والتدمير والنهب والسلب ، لاسيما من غنائم حائل ومكنوزاتها المهولة والمضخمة أضعافا ، امتد هذا الحصار ، ما يقارب الأربعة أشهر ، وقد تمخض عن (تنفيذ عملية تسليم سلمي سرية) نفذت تدريجيا منذ بداية الحصار ، وقد رتبت بموجب اتفاق تم ما بين (الإمام عبد العزيز) ممثلا في ابن عمه ((سعود بن عبد العزيز الكبير (العرافة)) وبين بعض وزراء الأمير (ابن رشيد) على أن يطال أمد الحصار ، بحيث يرافقه تدريجيا ، العمل على تنفير الحشود المرابطين المتحمسين للدفاع عن المدينة وعن قصر الحكم (برزان) وعن الأمير (محمد الطلال) من خلال العمل على بعث كل دوافع الإحباط فيهم ، وتجويعهم وإرهابهم بإمكانية حدوث هجوم مفاجئ من الإخوان الفوضويين القتلة ، ذلك لخفض معنوياتهم وبث الروح الانهزامية فيهم ، مع فتح المجال بنفس الوقت ومن الطرفين لانسحاب من يرغب ، وكان ذلك يترافق مع سحب المخزون الغذائي تدريجيا من القصر ، وكذلك من السوق ، يروى هنا ، عن الفارسين الشهمين ردن وأخوه رديني من آل أسلم ، وكانا أثناء الحصار إلى جوار الأمير ، بأن وزير الأمير ، في مساء ليلة السقوط ، قد سأل بصوت عالي عن كمية المخزون الغذائي ؟ فجاءه الرد من أحد عماله قائلا : "بس كيس واحد (شعير) " وحينها كان الأمير حاضرا سامع ، وأنه فقط أطرق برأسه دون ابدأ أي استجابة ، وبأنه ليلتها لم يضل من المرابطين في مربعات حماية السور إلا واحدا فقط في كل مربوعة ، وعدد قليل لحماية القصر ، أما إلى جوار الأمير فقد كانوا فقط ستة رجال أسالمة ، منهم هذان الراويان .
يتبعه التالي:
عدل سابقا من قبل دكتور نت في الجمعة فبراير 21, 2014 8:23 am عدل 21 مرات
طش طاش- عضو فضائي
- عدد المساهمات : 226
نقاط : 588
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
رد: خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
تابع لما قله
ثالث وعشرون:
وهكذا فإنه في صبيحة يوم 2 من شهر نوفمبر (1921م) في صفر عام (1340هـ) تم تنفيذ أخر خطوة من عملية التسليم ، ذلك أنه ومع بزوغ الفجر تم سحب الحامية من فرسان وحراس سور حائل وقصر برزان (المهدوم) مع استبدالهم بعدد من رجال الخصم (ابن سعود) ثم تمت مداهمة القصر ، وبهدوء تم اعتقال الأمير (محمد الطلال) بمساعدة البعض من رجاله ، بحيث تم تقييده مع الرجال الستة المتبقين من ثقات رجاله ، ومن ثم تم تسليمهم إلى سعود بن عبد العزيز الكبير (العرافة) كونه (ابن رشيد) يثق به ، ويقدره ، وكان ذلك مقابل قطع عهد اليمين بالصفح والأمان ، وعفا الله عما سلف ، مع التعهد الناجز بحفظ مدينة حائل ، وصونها مما يتوعدها به (أخوان من طاع الله) في حال ما لو دخلوها عنوة ، على أن لا يولي على جبل شمر أميرا من غير أهله ، ويقال أنهم عندما قيدوه رفع صوته بالحدا مقهورا ، وكان مما قاله :
الخيل ترزح بالبلد = وأنا أترزح بالحديد
الحكم يبي له ولد = ماهو أنت يا بناخي العبيد
وبعد صلاة العصر ، وصل الوفد لتسليمهم للإمام (ابن سعود) حيث كان ينتظرهم ، وهو خارج أسوار المدينة ، يتصدر محفلا عاما للإخوان ، وبالمناسبة فلقد كان الإخوان يتمنون بل ويتوقعون ويأملون حينها ، قطع رأس الأمير (ابن رشيد) فورا ، ولكن حلت خيبتهم عندما أقبل الوفد ومعهم الأمير (ابن رشيد) وهو يترزح بالحديد ، وفوجئوا بالإمام (عبد العزيز بن سعود) واقفا وهو يرفع يديه مرحبا بقوله : يا هلا يا هلا ، لعانقه ويضمه إلى صدره ، ثم يجلسه إلى يساره ، وكان ابنه (سعود) إلى يمينه ، هنا ضجت حشود الإخوان مرددين بصوت عالي تظاهري قولهم : "اقطعوا الشجرة الخبيثة أقطعوا الشجرة الخبيثة" عندها بالشجرة الخبيثة ، ذولا هم عنبر نجد ، ثم استطرد وهو يرفع يديه ممسكا بإصبع الخاتم : لكنهم طامعين بذا (الخاتم) وذا ، لو إن ولدي هذا (سعود) يطمع فيه لقطعت رأسه ، وقد جاء الرد بصوت مدوي قائلين : "إقمح يا ذا العَو وو ود" ثم الحق بقوله : "وإنه ومن اليوم فإن حائل وأهلها وما حولها شعرة من شعر وجهي ، وكل من يتعرض لها بسوء فسينال مني أشد عقوبة ، يكون هذا معلوم للجميع ، والحاضر يبلغ الغائب" ، يكون هذا معلوم للجميع ، والحاضر يبلغ الغائب" ، وقد نقل على الفور الأمير محمد النايف الطلال ال الرشيد للإقامة الجبرية في الرياض حتى قتل في وضع غامض ، قيل بأن عبده الخاص هو من قتله ، فقتل العبد قصاصا ، وكان ذلك في عام (1373هـ).
رابع وعشرون:
هكذا تم ضم ناحية جبل شمر (منطقة حائل) شمالي إقليم نجد ، وذلك ضمن توحيد المملكة العربية السعودية ، وقد تمت تولية (إبراهيم السالم السبهان) أميرا في حائل ، ولكن بعد سنه تم عزله وتولية (الأمير عبد العزيز بن مساعد آل سعود) بدلا منه ، أما أسرة آل رشيد (آل عبد الله وال عبيد وآل جبر) فأغلبهم قد تم نقلهم للإقامة في الرياض ، وبعضهم غادروا إلى حيث لا نعلم ، منهم من عاد لاحقا ، ومنهم من لا يزال بالمنفى ، ويبقى ذكرهم العطر في دواوين شمر ومن جاورهم ، كما هو الحال في ذكر من سبقوهم من شيوخ شمر من أمثال آل بقار وآل جربا وغيرهم .
وبسقوط إمارة آل رشيد وضم منطقة جبال شمر فقد دانت كل المناطق
شمالها بالولاء لابن سعود كما سهل ذلك بسقوط شريف مكة وضم الحجاز وعسير ..
** هنا نجد إحدى بناتهم وهي الشاعرة نورة آل رشيد ، بعدما جلوا عن حائل بعد سقوط إمارتهم ، وعندما طاولها السهر والبكاء ذات ليلة وكان عبدها إلى جوارها ، ولكنها ولهلاك عزوتها ، فقد صارت تناديه (عمي) وكان يحاول الترويح عنها ويطلب منها الركون للنوم ، فجاء ردها عليه شعرا ، في قصيدة بكائية رائعة ، كما أملاها الشاعر الشهيد طلال العبد العزيز ال رشيد ، إذ تقول:
[/b]
وتجدر الإشارة إلى أنه قد قيل بان قائل القصيدة هو الشاعر محيا العلياني على لسان حال بنت من ال رشيد ، وبأن الشاعرين منصور سعدي الرمالي وطلال العبد العزيز الرشيد ربما ساهما فيها إضافة أو تعديلا ...
خامس وعشرون: (أهم الملاحظات الختامية حول إمارة آل رشيد)
وقي الختام أود الإشارة إلى أهم الملاحظات الاستنتاجية كما يلي :
1ـ تميزت إمارة آل رشيد بوجود نوع من الارتجالية الفوضوية في تداول السلطة ، كما لم يوجد لديهم نائبا للأمير ولا وليا للعهد عدا سعود الحمود ، وقد كان الأسلوب الدارج والمتعارف عليه في توارث السلطة ، على مدى تأريخ من سبقوهم ، هو أن يرث الابن أبيه ، إلا في بعض الاستثناءات النادرة ، وحيث يعتبر كل من الأميرين عبد الله وعبيد العلي آل رشيد هما مؤسسا الإمارة ، فإنه وبعد وفاة الأمير عبد الله العلي ، فقد تخلى الأمير عبيد عن الإمارة استجابة للدارج بهذا الشأن ، حيث نجده (الأمير عبيد) قد رشح لتولي السلطة ابن أخيه (الأمير طلال العبد الله) وبذلك أخرج سلالته من حق تولي السلطة لتكون من نصيب سلالة أخيه (الأمير عبد الله) ولربما يكون قد وفق وأصاب كثيرا في ذلك ، ولكن الكارثة قد حلت في ورثة عرشها بعد أن توفي الأمير طلال العبد الله وكان أكبر أبنائه بندر (17سنة) ، فبويع أخيه (متعب العبد الله) وكان ذلك بموافقة عمه الأمير عبيد ، وذلك ما لم يقبل به كل من بندر وبدر أبناء الأمير طلال ، وذلك بحجة أنهم أصحاب الشرعية ، ونظرا لتعنت عمهم الأمير متعب ، المسنود بحاشية مناوئة ، فقد اضطر الأمير بندر إلى قتله ، واستلام السلطة ، وكانت زادت الطينة بلة عندما أقدم عمهم الأمير محمد العبد الله على قتل بندر وتلاه بإخوته (الستة) فلم ينجو عدا (نايف) وبذلك أعلن استلامه السلطة ، وحيث أنه كان عقيما ، فإنه عند وفاته ، لم يكن هنالك من الورثة الشرعيين للعهد (سلالة الأمير عبد الله آل الرشيد) سوى فقط اثنين وهما كل من الناجي من المقتلة (نايف الطلال) ووحيد أبيه (عبد العزيز المتعب) وهنا بويع الأخير بالإمارة وذلك بالإجماع ودون أي منازع ، وكان وراء هذا الأخير عندما قتل ثلاثة أبناء أشقاء(متعب ومشعل ومحمد) وكذلك الصغير (سعود) من زوجة أخرى ، فتولى الإمارة ابنه (الأمير متعب الثاني) وهنا انتهز الفرصة ثلاثة ، من سلالة الأمير عبيد المتنازل عن الحكم ؛ وهم سلطان وسعود وفيصل أبناء حمود العبيد ، حيث تخلصوا من أبناء أختهم ، وهم كل هذا الأمير (متعب الثاني) وإخوته الأشقاء (محمد ومشعل) وابن عمهم طلال النايف ، بينما نجا من المذبحة أخوهم الصغير(سعود) وكان عمره لا يزيد عن تسع سنين ، وهذا هو الناجي الثاني ، وبذلك صار عدد الورثة الشرعيين فقط خمسة ، وهم الناجي الأول نايف وابنيه محمد وعبد الله (آل طلال) بالإضافة إلى الطفل الناجي الثاني (سعود الثاني) وناجي ثالث وهو (عبد الله الثاني) ابن (متعب الثاني) المقتول .
2- نظرا لعدم شرعية استيلاء أبناء حمود العبيد على الحكم فلم يجدوا استجابة ولا حتى لدي والدهم ، والمقربين منهم (آل عبيد) ولا لدى الأهالي ، وهكذا فإنه بعد أقل من سنتين تم عزل الأمير سعود الحمود ، واستدعاء الطفل سعود الذي كان لاجئا بالمدينة المنورة وتم تنصيبه على أن تدار السلطة بالوكالة من قبل (زامل السبهان) وهو والد جدته (فاطمة) لأمه (موضي)..
3- في تلك الحيان ، كان قد تولى السلطة فقط أمير واحد من (آل طلال) وهو بندر الطلال إلا أنهم يرون بأن الشرعية لا تزال لهم ، ذلك برغم انتزاعها بالقوة منهم ، بينما كانوا (آل متعب) أكثر قبولا وتأهيلا منهم ، حيث قد تولى منهم حينها أربعة أمراء ، وهكذا فقط عمد عبد الله ابن الناجي الأول (نايف الطلال) بقتل الناجي الثاني (الأمير سعود العبد العزيز) وعمره حوالي (23 سنة) وقد تم قتله هو على الفور ، ونظرا لصغر سن أبناء المقتول ، فقد تمت مبايعة الناجي الثالث (عبد الله المتعب) وكان هو الوحيد المتبقي من (آل متعب) بالإضافة إلى أطفال الأمير سعود (مشعل ومحمد وعبد العزيز والجنين سعود) بينما يوجد رجل واحد من الطلال وهو محمد النايف الطلال ، وهو شقيق عبد الله ، قاتل الأمير سعود الذي تم قتله .
4- قدم محمد النايف الطلال من الجوف بهدف انقاذ الموقف وكان متحمسا فضيق على الأمير عبد الله المتعب وخاف على نفسه فهرب قبل أن يكمل في السلطة عاما واحدا ، ولجأ إلى الرياض ، وهنا لم يكن هنالك سوى محمد الطلال فاستلم الإمارة ، ولكن قبل أن يمضي عاما استسلم وسلم الأمر للإمام (عبد العزيز ابن سعود) وهكذا فقد استلمها المؤسس الأمير عبد الله العلي بالتفويض من لدن الإمام (فيصل بن تركي) وورثها الأمير طلال العبد الله من والده ، ثم انتزعت من أبنائه ، وقد ضلت طيلة تاريخها لدى غيرهم ، حتى استلموها أخيرا، ليسلموها بدورهم إلى ورثة مانح التفويض وصاحب الفضل بوجودها (الإمام فيصل بن تركي).
5- مجموع أمراء أسرة آل رشيد (13 أميرا) هم (2) مؤسسان ، وحيث يعد الأمير عبيد من أبرز أنصار الدعوة السلفية المتحمسين ، فقد أصبح هو وأبناؤه من بعده مركزا لأهلها وللعلم عموما ، بينما ضل عرش السلطان متوارثا في أبناء عبد الله حيث حكم منهم عدد (3) من آل طلال ، و(5) من آل متعب و(1) محمد العبد الله ، و بشكل استثنائي فقط (2) من آل عبيد.
6- والملفت أن كل أبناء أصحاب الشرعية (آل عبد الله) إما أنه تم اغتيالهم صغارا أو أتيحت لهم فرصة تسلم السلطة كبارا ، عدا فقط 3 منهم وهم: 1ـ الناجي من أبناء طلال (نايف الطلال) وابنه طلال الذي اغتيل كبيرا في الأحيمر ، وعبد الله بن طلال النايف الذي قتل سعود أبو خشم وتم قتله في الحال .
7- لا يطلق على أفراد هذه الأسرة لقب شيخ ، مثل ما هو حاصل بالنسبة للأسر الحاكمة في البحرين والكويت وقطر ، كما لا يأخذ لقب الأمير إلا من تتم مبايعته ويدخل قصر الحكم كأمير ، وبذلك نجد نبلاء هذه الأسرة يأنفون من إطلاق لقب شيخ أو أمير عليهم ، بل ويرفضون ذلك ، كونها إمارة ريادية خاصة في من يتولون عرشها ، تحضرني هنا موقف حصل بعد انتصار ابن رشيد في بقعاء حيث نصبوا الصيوان الأميري في موقع المعركة تأكيدا للنصر الحاسم وقد صارت هذه عادة دارجة بينهم بعد ذلك ، والمهم في الأمر أنه في صباح يوم الغد اجتمع عدد من شيوخ عنزة (المهزومين) ووفدوا على الأمير وعند دخولهم الصيوان جثوا على ركبهم ، فقام الأمير عبد الله واقفا ووقف الحضور ، قال يخاطب الشيوخ : قوموا واقفين ، واسألوا ما شئتم ، فأنتم أهل الشيخة ... قالوا : طال عمرك ، نريد فضلك وكرمك علينا بشيء من حلالنا الذي غنمتموه قال الأمير : ما جئنا من أجل الإبل ، يا الله مخاطبا قومه ردوه عليهم ، لا يبقى لهم ولا حاشي عندنا.
وهكذا نجد الشاعر الشهيد طلال العبد العزيز بقوله :
يا صغير ما يكبرني لقب .. ولا يصغرني إذا أنكرني صغير
8- بخلاف الأمير الشرفي (عبيد العلي) ، نجد هنالك فقط ثمانية أمراء ألت إليهم السلطة سلميا (عبد الله المؤسس ، طلال العبد الله ، متعب العبد الله ، عبد العزيز (الجنازة) ، متعب العبد العزيز ، سعود أبو خشم ، عبد الله المتعب ، محمد الطلال ) ، بينما نجد أربعة من الأمراء قد انتزعوا السلطة بالقوة من خلال قتل الأمير السابق (بندر الطلال، محمد العبد الله ، سلطان وسعود الحمود) .
9- أما من تولوا السلطة وهم مؤهلين وناضجين عمريا فنجد منهم فقط خمسة أمراء ، وهم كل من عبد الله الأول وابنه متعب الأول ومحمد العبد الله والجنازة ومحمد الثاني ، بينما نجد من الستة الباقين كل من سلطان وسعود الحمود غير معروف ، أما الخمسة المتبقين فكانت أعمارهم دون الخامس والعشرين سنة وهم : طلال وابنه بندر ، ومتعب الثاني وسعود الثاني وعبد الله الثاني .
10- برغم كثرة عدد أمراء آل رشيد ، إلا أن سبعة أمراء منهم ، قد مروا مرور الكرام ، ذلك بالنظر لقصر مدة الحكم فلم يسجل لهم شيئا يذكر ، وهم كل من متعب الأول وبندر ومتعب الثاني وآل حمود وعبد الله الثاني ، والأخير محمد الثاني .
11-أما نهاية العهد بالنسبة لكل منهم ، فنجد هنالك فقط اثنان بالوفاة الطبيعية وهما : عبد الله المؤسس ومحمد العبد الله ، بينما (طلال العبد الله) انتحر ، وخمسة منهم قتلوا(متعب ، بندر،الجنازة، وابنيه متعب وسعود ، وسلطان الحمود) كما تم خلع واحد من قبل الأهالي للاعتداء على الشرعية وهو (سعود الحمود) بينما نجد (عبد الله المتعب) ترك السلطة وهرب وقتل بغموض لاحقا ، أما (محمد الطلال) فقد اعتقل بسقوط الإمارة ثم قتل كما قيل من قبل عبده الخاص .
12- وتتفاوت مدة العهد بالنسبة لكل منهم فأطولهم عهدا محمد العبد الله (25سنة) ثم طلال العبد الله (19 سنة) ثم المؤسس (12سنة) ومثله كذلك سعود أبو خشم ، يليه والده (الجنازة) (8 سنوات) و(4 سنوات) لكل من متعب العبد الله وبندر الطلال بينما البقية وهم خمسة فقد حكموا فقط من سنة فأقل .
13- وتعد إمارة آل رشيد ظاهرة ريادية فريدة غريبة عجيبة ، وتجربة قيادية مبتكرة وسيرة مجيدة مشرقة ومشرفة ، لولا أنها تعكس فصولا من التراجيديا الحزينة ، فقد جاءت كخلاصة لكل المزايا النبيلة والأصيلة في جبال شمر ، فأغلب إن لم يكن كل أمراء الرشيد كانوا شجعانا فرسانا وشعارا وكراما وقياديين حازمين وعادلين وأهل وفاء وصفح وعفو عند الغلبة ، وإنه على كثرة ما خاضوا من معارك ، في مصابيحهم المعروفة فلم يهزموا ولا في معركة ، وذلك تماما كما كانت راية شمر من قبلهم لم تهزم قط ، كانوا يقودون المعارك بأنفسهم ويتقدمون الجميع نحو قلب المعركة ، ولهم أساليب حربية مبتكرة وإبداعية ، بحيث تناسب مواجهة الكثرة بالقلة مع تحقيق التفوق والحسم السريع ، وبأقل الخسائر ، حيث غالبا ما تأتي لقواتهم كالعاصفة المفاجئة ، مثل بقعاء والمليداء والصريف وغيرها .
14- فرع (آل متعب) هو الأكثر استهدافا في الاغتيالات حيث قدم خمس ضحايا ، وهو بنفس الوقت الفرع الوحيد الذي لم يرتكب أي حادثة اغتيال ، وكل أمرائه وصلوا للسلطة بالترشيح والقبول العام .
15- إنه برغم الشقاق والتقاتل الداخلي فيما بينهم (آل رشيد) إلا أنه ضل فرديا وفقط داخليا ، فلم يحدث قط أن امتدت مشكلاتهم لتشمل غيرهم ، وقد كان من يخاف على نفسه منهم يلجأ إلى الإمام ابن سعود في الرياض ، وبعد سقوط الإمامة تحول اللجوء إلى المدينة المنورة أو الجوف أحيانا ، ومن ثم إلى الرياض حتى تم ضم ناحية الجبل .
16- لقد برزت في عهدهم عزوة حضر شمر (الحجلان) إلى جانب عزاوي شمر السابقة مثل غلبا والطنايا والسناعيس .
تنويه : أن الجدول المنشور على الرابط أدناه ، يعرض بإيجاز مقارن لأهم مفاتيح الواقع الاجتماعي المتغير لإقليم جبال شمر (منطقة حائل) شمالي نجد ، وذلك على مدى هذه الفترة التاريخية التي تم تناولها في هذه المقالة ، ولكنها مصنفة إلى ثلاث عهود أو مراحل تحولية رئيسة .
جدول مفاتيح الواقع الاجتماعي المتغير لإقليم جبال شمر (منطقة حائل) شمالي نجدكاتبه د.شائم بن لافي الهمزاني بلاعتماد على البيانات السوسيوأنثروتاريخية التي تم جمعها لإعداد رسالة الماجستير حول التغير الاجتماعي في منطقة حائل ، مخطوطة ، كلية العلوم الاجتماعية ، جامعة الإمام محمد بن سعود ، الرياض.
ثالث وعشرون:
وهكذا فإنه في صبيحة يوم 2 من شهر نوفمبر (1921م) في صفر عام (1340هـ) تم تنفيذ أخر خطوة من عملية التسليم ، ذلك أنه ومع بزوغ الفجر تم سحب الحامية من فرسان وحراس سور حائل وقصر برزان (المهدوم) مع استبدالهم بعدد من رجال الخصم (ابن سعود) ثم تمت مداهمة القصر ، وبهدوء تم اعتقال الأمير (محمد الطلال) بمساعدة البعض من رجاله ، بحيث تم تقييده مع الرجال الستة المتبقين من ثقات رجاله ، ومن ثم تم تسليمهم إلى سعود بن عبد العزيز الكبير (العرافة) كونه (ابن رشيد) يثق به ، ويقدره ، وكان ذلك مقابل قطع عهد اليمين بالصفح والأمان ، وعفا الله عما سلف ، مع التعهد الناجز بحفظ مدينة حائل ، وصونها مما يتوعدها به (أخوان من طاع الله) في حال ما لو دخلوها عنوة ، على أن لا يولي على جبل شمر أميرا من غير أهله ، ويقال أنهم عندما قيدوه رفع صوته بالحدا مقهورا ، وكان مما قاله :
الخيل ترزح بالبلد = وأنا أترزح بالحديد
الحكم يبي له ولد = ماهو أنت يا بناخي العبيد
وبعد صلاة العصر ، وصل الوفد لتسليمهم للإمام (ابن سعود) حيث كان ينتظرهم ، وهو خارج أسوار المدينة ، يتصدر محفلا عاما للإخوان ، وبالمناسبة فلقد كان الإخوان يتمنون بل ويتوقعون ويأملون حينها ، قطع رأس الأمير (ابن رشيد) فورا ، ولكن حلت خيبتهم عندما أقبل الوفد ومعهم الأمير (ابن رشيد) وهو يترزح بالحديد ، وفوجئوا بالإمام (عبد العزيز بن سعود) واقفا وهو يرفع يديه مرحبا بقوله : يا هلا يا هلا ، لعانقه ويضمه إلى صدره ، ثم يجلسه إلى يساره ، وكان ابنه (سعود) إلى يمينه ، هنا ضجت حشود الإخوان مرددين بصوت عالي تظاهري قولهم : "اقطعوا الشجرة الخبيثة أقطعوا الشجرة الخبيثة" عندها بالشجرة الخبيثة ، ذولا هم عنبر نجد ، ثم استطرد وهو يرفع يديه ممسكا بإصبع الخاتم : لكنهم طامعين بذا (الخاتم) وذا ، لو إن ولدي هذا (سعود) يطمع فيه لقطعت رأسه ، وقد جاء الرد بصوت مدوي قائلين : "إقمح يا ذا العَو وو ود" ثم الحق بقوله : "وإنه ومن اليوم فإن حائل وأهلها وما حولها شعرة من شعر وجهي ، وكل من يتعرض لها بسوء فسينال مني أشد عقوبة ، يكون هذا معلوم للجميع ، والحاضر يبلغ الغائب" ، يكون هذا معلوم للجميع ، والحاضر يبلغ الغائب" ، وقد نقل على الفور الأمير محمد النايف الطلال ال الرشيد للإقامة الجبرية في الرياض حتى قتل في وضع غامض ، قيل بأن عبده الخاص هو من قتله ، فقتل العبد قصاصا ، وكان ذلك في عام (1373هـ).
رابع وعشرون:
هكذا تم ضم ناحية جبل شمر (منطقة حائل) شمالي إقليم نجد ، وذلك ضمن توحيد المملكة العربية السعودية ، وقد تمت تولية (إبراهيم السالم السبهان) أميرا في حائل ، ولكن بعد سنه تم عزله وتولية (الأمير عبد العزيز بن مساعد آل سعود) بدلا منه ، أما أسرة آل رشيد (آل عبد الله وال عبيد وآل جبر) فأغلبهم قد تم نقلهم للإقامة في الرياض ، وبعضهم غادروا إلى حيث لا نعلم ، منهم من عاد لاحقا ، ومنهم من لا يزال بالمنفى ، ويبقى ذكرهم العطر في دواوين شمر ومن جاورهم ، كما هو الحال في ذكر من سبقوهم من شيوخ شمر من أمثال آل بقار وآل جربا وغيرهم .
وبسقوط إمارة آل رشيد وضم منطقة جبال شمر فقد دانت كل المناطق
شمالها بالولاء لابن سعود كما سهل ذلك بسقوط شريف مكة وضم الحجاز وعسير ..
** هنا نجد إحدى بناتهم وهي الشاعرة نورة آل رشيد ، بعدما جلوا عن حائل بعد سقوط إمارتهم ، وعندما طاولها السهر والبكاء ذات ليلة وكان عبدها إلى جوارها ، ولكنها ولهلاك عزوتها ، فقد صارت تناديه (عمي) وكان يحاول الترويح عنها ويطلب منها الركون للنوم ، فجاء ردها عليه شعرا ، في قصيدة بكائية رائعة ، كما أملاها الشاعر الشهيد طلال العبد العزيز ال رشيد ، إذ تقول:
[/b]
أبكـي هلـي أهـل القـصـور الفسيحـه = ولا ألـوم عينـي لـو جرى دمعهـا دم
وأبكي فراق أهل العلـوم المليحـه = إخـوانـي الـلــي لا بـغــوا لازمٍ تـــم
يا ما انتخوا بإسمـي ليـا حـل صيحـة = إلى انتخـوا بـي كافـر الجـن يسـلـم
وإسمي كمـا نجـمٍ ضـرب قـاع بيحـه = أو الصـواقـع يــوم للـضـلـع تـرجــم
(نــورة) أنــا بـنـت الشـيـوخ الفليـحه = أبـوي حاكـم وإخوتـي صفـوة الجـم
على فراق الـعـز كـبـدي جريـحـة = وحـب الوطـن يا العبـد مـن عـصـر آدم
يـا حيـف (حايـل) فارقـن ريـح شيحـه = بذيك الشغايا تقل ما قيل لـي سَــم
و(ابن طـلال) اللـي جـرح للقريـحـة = ونـاسٍ بنـا خـانـوا.. ونــاسٍ بـنـا نَــم
خـانوا ب(حـايـل) كاسبـيـن الفضـيـحـه = بأقوال وأفعالٍ بها الله يعلم
ما مثلهم غير اللوق في ضبيحه = يا ليتهم كانوا من البكم والصم
وأولهم (الملدود) يا ويح ويحه = و(أهل العمايـم) جعلهـم فـي جهنـم
جميعهم لو يـدعـون النصـيـحـة = (جهال بـدوٍ) مـــا تـعــرف التـيـمـم
والغادرين أهل الوجيه الكليحه = الله يشتت شملهم مثل ما لَـم
معذور من مثلي يميز صحيحه = على السهر والحزن واللوم والذم
عرفت شح أهل النفوس الشحيحه = وانجاس ناسٍ ما تطهر بزمزم
و(العبد) صار (العم) والله فضيحـة = يا كبرها يا ليلة الحزن والهم
يا هَـوْه وين أهل العقول الرجيحه؟ = خل السهر لي وأنت يا (عَـم) قـم نِم
إمْن أولٍ نـأمـر تجـيـب الـذبـيحـه = واليوم يا عمر الندم صرت (لي عَـم)
وأبكي فراق أهل العلـوم المليحـه = إخـوانـي الـلــي لا بـغــوا لازمٍ تـــم
يا ما انتخوا بإسمـي ليـا حـل صيحـة = إلى انتخـوا بـي كافـر الجـن يسـلـم
وإسمي كمـا نجـمٍ ضـرب قـاع بيحـه = أو الصـواقـع يــوم للـضـلـع تـرجــم
(نــورة) أنــا بـنـت الشـيـوخ الفليـحه = أبـوي حاكـم وإخوتـي صفـوة الجـم
على فراق الـعـز كـبـدي جريـحـة = وحـب الوطـن يا العبـد مـن عـصـر آدم
يـا حيـف (حايـل) فارقـن ريـح شيحـه = بذيك الشغايا تقل ما قيل لـي سَــم
و(ابن طـلال) اللـي جـرح للقريـحـة = ونـاسٍ بنـا خـانـوا.. ونــاسٍ بـنـا نَــم
خـانوا ب(حـايـل) كاسبـيـن الفضـيـحـه = بأقوال وأفعالٍ بها الله يعلم
ما مثلهم غير اللوق في ضبيحه = يا ليتهم كانوا من البكم والصم
وأولهم (الملدود) يا ويح ويحه = و(أهل العمايـم) جعلهـم فـي جهنـم
جميعهم لو يـدعـون النصـيـحـة = (جهال بـدوٍ) مـــا تـعــرف التـيـمـم
والغادرين أهل الوجيه الكليحه = الله يشتت شملهم مثل ما لَـم
معذور من مثلي يميز صحيحه = على السهر والحزن واللوم والذم
عرفت شح أهل النفوس الشحيحه = وانجاس ناسٍ ما تطهر بزمزم
و(العبد) صار (العم) والله فضيحـة = يا كبرها يا ليلة الحزن والهم
يا هَـوْه وين أهل العقول الرجيحه؟ = خل السهر لي وأنت يا (عَـم) قـم نِم
إمْن أولٍ نـأمـر تجـيـب الـذبـيحـه = واليوم يا عمر الندم صرت (لي عَـم)
وتجدر الإشارة إلى أنه قد قيل بان قائل القصيدة هو الشاعر محيا العلياني على لسان حال بنت من ال رشيد ، وبأن الشاعرين منصور سعدي الرمالي وطلال العبد العزيز الرشيد ربما ساهما فيها إضافة أو تعديلا ...
خامس وعشرون: (أهم الملاحظات الختامية حول إمارة آل رشيد)
وقي الختام أود الإشارة إلى أهم الملاحظات الاستنتاجية كما يلي :
1ـ تميزت إمارة آل رشيد بوجود نوع من الارتجالية الفوضوية في تداول السلطة ، كما لم يوجد لديهم نائبا للأمير ولا وليا للعهد عدا سعود الحمود ، وقد كان الأسلوب الدارج والمتعارف عليه في توارث السلطة ، على مدى تأريخ من سبقوهم ، هو أن يرث الابن أبيه ، إلا في بعض الاستثناءات النادرة ، وحيث يعتبر كل من الأميرين عبد الله وعبيد العلي آل رشيد هما مؤسسا الإمارة ، فإنه وبعد وفاة الأمير عبد الله العلي ، فقد تخلى الأمير عبيد عن الإمارة استجابة للدارج بهذا الشأن ، حيث نجده (الأمير عبيد) قد رشح لتولي السلطة ابن أخيه (الأمير طلال العبد الله) وبذلك أخرج سلالته من حق تولي السلطة لتكون من نصيب سلالة أخيه (الأمير عبد الله) ولربما يكون قد وفق وأصاب كثيرا في ذلك ، ولكن الكارثة قد حلت في ورثة عرشها بعد أن توفي الأمير طلال العبد الله وكان أكبر أبنائه بندر (17سنة) ، فبويع أخيه (متعب العبد الله) وكان ذلك بموافقة عمه الأمير عبيد ، وذلك ما لم يقبل به كل من بندر وبدر أبناء الأمير طلال ، وذلك بحجة أنهم أصحاب الشرعية ، ونظرا لتعنت عمهم الأمير متعب ، المسنود بحاشية مناوئة ، فقد اضطر الأمير بندر إلى قتله ، واستلام السلطة ، وكانت زادت الطينة بلة عندما أقدم عمهم الأمير محمد العبد الله على قتل بندر وتلاه بإخوته (الستة) فلم ينجو عدا (نايف) وبذلك أعلن استلامه السلطة ، وحيث أنه كان عقيما ، فإنه عند وفاته ، لم يكن هنالك من الورثة الشرعيين للعهد (سلالة الأمير عبد الله آل الرشيد) سوى فقط اثنين وهما كل من الناجي من المقتلة (نايف الطلال) ووحيد أبيه (عبد العزيز المتعب) وهنا بويع الأخير بالإمارة وذلك بالإجماع ودون أي منازع ، وكان وراء هذا الأخير عندما قتل ثلاثة أبناء أشقاء(متعب ومشعل ومحمد) وكذلك الصغير (سعود) من زوجة أخرى ، فتولى الإمارة ابنه (الأمير متعب الثاني) وهنا انتهز الفرصة ثلاثة ، من سلالة الأمير عبيد المتنازل عن الحكم ؛ وهم سلطان وسعود وفيصل أبناء حمود العبيد ، حيث تخلصوا من أبناء أختهم ، وهم كل هذا الأمير (متعب الثاني) وإخوته الأشقاء (محمد ومشعل) وابن عمهم طلال النايف ، بينما نجا من المذبحة أخوهم الصغير(سعود) وكان عمره لا يزيد عن تسع سنين ، وهذا هو الناجي الثاني ، وبذلك صار عدد الورثة الشرعيين فقط خمسة ، وهم الناجي الأول نايف وابنيه محمد وعبد الله (آل طلال) بالإضافة إلى الطفل الناجي الثاني (سعود الثاني) وناجي ثالث وهو (عبد الله الثاني) ابن (متعب الثاني) المقتول .
2- نظرا لعدم شرعية استيلاء أبناء حمود العبيد على الحكم فلم يجدوا استجابة ولا حتى لدي والدهم ، والمقربين منهم (آل عبيد) ولا لدى الأهالي ، وهكذا فإنه بعد أقل من سنتين تم عزل الأمير سعود الحمود ، واستدعاء الطفل سعود الذي كان لاجئا بالمدينة المنورة وتم تنصيبه على أن تدار السلطة بالوكالة من قبل (زامل السبهان) وهو والد جدته (فاطمة) لأمه (موضي)..
3- في تلك الحيان ، كان قد تولى السلطة فقط أمير واحد من (آل طلال) وهو بندر الطلال إلا أنهم يرون بأن الشرعية لا تزال لهم ، ذلك برغم انتزاعها بالقوة منهم ، بينما كانوا (آل متعب) أكثر قبولا وتأهيلا منهم ، حيث قد تولى منهم حينها أربعة أمراء ، وهكذا فقط عمد عبد الله ابن الناجي الأول (نايف الطلال) بقتل الناجي الثاني (الأمير سعود العبد العزيز) وعمره حوالي (23 سنة) وقد تم قتله هو على الفور ، ونظرا لصغر سن أبناء المقتول ، فقد تمت مبايعة الناجي الثالث (عبد الله المتعب) وكان هو الوحيد المتبقي من (آل متعب) بالإضافة إلى أطفال الأمير سعود (مشعل ومحمد وعبد العزيز والجنين سعود) بينما يوجد رجل واحد من الطلال وهو محمد النايف الطلال ، وهو شقيق عبد الله ، قاتل الأمير سعود الذي تم قتله .
4- قدم محمد النايف الطلال من الجوف بهدف انقاذ الموقف وكان متحمسا فضيق على الأمير عبد الله المتعب وخاف على نفسه فهرب قبل أن يكمل في السلطة عاما واحدا ، ولجأ إلى الرياض ، وهنا لم يكن هنالك سوى محمد الطلال فاستلم الإمارة ، ولكن قبل أن يمضي عاما استسلم وسلم الأمر للإمام (عبد العزيز ابن سعود) وهكذا فقد استلمها المؤسس الأمير عبد الله العلي بالتفويض من لدن الإمام (فيصل بن تركي) وورثها الأمير طلال العبد الله من والده ، ثم انتزعت من أبنائه ، وقد ضلت طيلة تاريخها لدى غيرهم ، حتى استلموها أخيرا، ليسلموها بدورهم إلى ورثة مانح التفويض وصاحب الفضل بوجودها (الإمام فيصل بن تركي).
5- مجموع أمراء أسرة آل رشيد (13 أميرا) هم (2) مؤسسان ، وحيث يعد الأمير عبيد من أبرز أنصار الدعوة السلفية المتحمسين ، فقد أصبح هو وأبناؤه من بعده مركزا لأهلها وللعلم عموما ، بينما ضل عرش السلطان متوارثا في أبناء عبد الله حيث حكم منهم عدد (3) من آل طلال ، و(5) من آل متعب و(1) محمد العبد الله ، و بشكل استثنائي فقط (2) من آل عبيد.
6- والملفت أن كل أبناء أصحاب الشرعية (آل عبد الله) إما أنه تم اغتيالهم صغارا أو أتيحت لهم فرصة تسلم السلطة كبارا ، عدا فقط 3 منهم وهم: 1ـ الناجي من أبناء طلال (نايف الطلال) وابنه طلال الذي اغتيل كبيرا في الأحيمر ، وعبد الله بن طلال النايف الذي قتل سعود أبو خشم وتم قتله في الحال .
7- لا يطلق على أفراد هذه الأسرة لقب شيخ ، مثل ما هو حاصل بالنسبة للأسر الحاكمة في البحرين والكويت وقطر ، كما لا يأخذ لقب الأمير إلا من تتم مبايعته ويدخل قصر الحكم كأمير ، وبذلك نجد نبلاء هذه الأسرة يأنفون من إطلاق لقب شيخ أو أمير عليهم ، بل ويرفضون ذلك ، كونها إمارة ريادية خاصة في من يتولون عرشها ، تحضرني هنا موقف حصل بعد انتصار ابن رشيد في بقعاء حيث نصبوا الصيوان الأميري في موقع المعركة تأكيدا للنصر الحاسم وقد صارت هذه عادة دارجة بينهم بعد ذلك ، والمهم في الأمر أنه في صباح يوم الغد اجتمع عدد من شيوخ عنزة (المهزومين) ووفدوا على الأمير وعند دخولهم الصيوان جثوا على ركبهم ، فقام الأمير عبد الله واقفا ووقف الحضور ، قال يخاطب الشيوخ : قوموا واقفين ، واسألوا ما شئتم ، فأنتم أهل الشيخة ... قالوا : طال عمرك ، نريد فضلك وكرمك علينا بشيء من حلالنا الذي غنمتموه قال الأمير : ما جئنا من أجل الإبل ، يا الله مخاطبا قومه ردوه عليهم ، لا يبقى لهم ولا حاشي عندنا.
وهكذا نجد الشاعر الشهيد طلال العبد العزيز بقوله :
يا صغير ما يكبرني لقب .. ولا يصغرني إذا أنكرني صغير
8- بخلاف الأمير الشرفي (عبيد العلي) ، نجد هنالك فقط ثمانية أمراء ألت إليهم السلطة سلميا (عبد الله المؤسس ، طلال العبد الله ، متعب العبد الله ، عبد العزيز (الجنازة) ، متعب العبد العزيز ، سعود أبو خشم ، عبد الله المتعب ، محمد الطلال ) ، بينما نجد أربعة من الأمراء قد انتزعوا السلطة بالقوة من خلال قتل الأمير السابق (بندر الطلال، محمد العبد الله ، سلطان وسعود الحمود) .
9- أما من تولوا السلطة وهم مؤهلين وناضجين عمريا فنجد منهم فقط خمسة أمراء ، وهم كل من عبد الله الأول وابنه متعب الأول ومحمد العبد الله والجنازة ومحمد الثاني ، بينما نجد من الستة الباقين كل من سلطان وسعود الحمود غير معروف ، أما الخمسة المتبقين فكانت أعمارهم دون الخامس والعشرين سنة وهم : طلال وابنه بندر ، ومتعب الثاني وسعود الثاني وعبد الله الثاني .
10- برغم كثرة عدد أمراء آل رشيد ، إلا أن سبعة أمراء منهم ، قد مروا مرور الكرام ، ذلك بالنظر لقصر مدة الحكم فلم يسجل لهم شيئا يذكر ، وهم كل من متعب الأول وبندر ومتعب الثاني وآل حمود وعبد الله الثاني ، والأخير محمد الثاني .
11-أما نهاية العهد بالنسبة لكل منهم ، فنجد هنالك فقط اثنان بالوفاة الطبيعية وهما : عبد الله المؤسس ومحمد العبد الله ، بينما (طلال العبد الله) انتحر ، وخمسة منهم قتلوا(متعب ، بندر،الجنازة، وابنيه متعب وسعود ، وسلطان الحمود) كما تم خلع واحد من قبل الأهالي للاعتداء على الشرعية وهو (سعود الحمود) بينما نجد (عبد الله المتعب) ترك السلطة وهرب وقتل بغموض لاحقا ، أما (محمد الطلال) فقد اعتقل بسقوط الإمارة ثم قتل كما قيل من قبل عبده الخاص .
12- وتتفاوت مدة العهد بالنسبة لكل منهم فأطولهم عهدا محمد العبد الله (25سنة) ثم طلال العبد الله (19 سنة) ثم المؤسس (12سنة) ومثله كذلك سعود أبو خشم ، يليه والده (الجنازة) (8 سنوات) و(4 سنوات) لكل من متعب العبد الله وبندر الطلال بينما البقية وهم خمسة فقد حكموا فقط من سنة فأقل .
13- وتعد إمارة آل رشيد ظاهرة ريادية فريدة غريبة عجيبة ، وتجربة قيادية مبتكرة وسيرة مجيدة مشرقة ومشرفة ، لولا أنها تعكس فصولا من التراجيديا الحزينة ، فقد جاءت كخلاصة لكل المزايا النبيلة والأصيلة في جبال شمر ، فأغلب إن لم يكن كل أمراء الرشيد كانوا شجعانا فرسانا وشعارا وكراما وقياديين حازمين وعادلين وأهل وفاء وصفح وعفو عند الغلبة ، وإنه على كثرة ما خاضوا من معارك ، في مصابيحهم المعروفة فلم يهزموا ولا في معركة ، وذلك تماما كما كانت راية شمر من قبلهم لم تهزم قط ، كانوا يقودون المعارك بأنفسهم ويتقدمون الجميع نحو قلب المعركة ، ولهم أساليب حربية مبتكرة وإبداعية ، بحيث تناسب مواجهة الكثرة بالقلة مع تحقيق التفوق والحسم السريع ، وبأقل الخسائر ، حيث غالبا ما تأتي لقواتهم كالعاصفة المفاجئة ، مثل بقعاء والمليداء والصريف وغيرها .
14- فرع (آل متعب) هو الأكثر استهدافا في الاغتيالات حيث قدم خمس ضحايا ، وهو بنفس الوقت الفرع الوحيد الذي لم يرتكب أي حادثة اغتيال ، وكل أمرائه وصلوا للسلطة بالترشيح والقبول العام .
15- إنه برغم الشقاق والتقاتل الداخلي فيما بينهم (آل رشيد) إلا أنه ضل فرديا وفقط داخليا ، فلم يحدث قط أن امتدت مشكلاتهم لتشمل غيرهم ، وقد كان من يخاف على نفسه منهم يلجأ إلى الإمام ابن سعود في الرياض ، وبعد سقوط الإمامة تحول اللجوء إلى المدينة المنورة أو الجوف أحيانا ، ومن ثم إلى الرياض حتى تم ضم ناحية الجبل .
16- لقد برزت في عهدهم عزوة حضر شمر (الحجلان) إلى جانب عزاوي شمر السابقة مثل غلبا والطنايا والسناعيس .
هذا ولا يسعني في الختام إلا أن أقول رحم الله أمواتنا وأمواتهم وأبقى على العز الأحياء
والله أعلم ، وهو حسبنا ، نستغفره اللهم ونتوب إليه .
والله أعلم ، وهو حسبنا ، نستغفره اللهم ونتوب إليه .
تنويه : أن الجدول المنشور على الرابط أدناه ، يعرض بإيجاز مقارن لأهم مفاتيح الواقع الاجتماعي المتغير لإقليم جبال شمر (منطقة حائل) شمالي نجد ، وذلك على مدى هذه الفترة التاريخية التي تم تناولها في هذه المقالة ، ولكنها مصنفة إلى ثلاث عهود أو مراحل تحولية رئيسة .
جدول مفاتيح الواقع الاجتماعي المتغير لإقليم جبال شمر (منطقة حائل) شمالي نجد
عدل سابقا من قبل دكتور نت في الثلاثاء فبراير 18, 2014 2:35 pm عدل 2 مرات
طش طاش- عضو فضائي
- عدد المساهمات : 226
نقاط : 588
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
رد: خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
شكرا صاحب المشاركة كما أشكر دكتورنا الفاضل على إتحافنا بهذا السفر الثمين جدا عن حقائق الواقع الاجتماعية في ناحية جبال شمر شمالي نجد ذات التاريخ المجيد والعريق ، وبالمناسبة فإنه كثيرا ما يطالعنا نوع من الجدل والصدام حول أصل مشيخة آل علي ؟ ومتى وكيف كانت بداية عهدهم ؟ وهل كانوا مناصيب للإمام ابن سعود أم أنهم مستقلين في ناحية جبال شمر ؟ ولكنهم فقط متحالفين مع الإمام ؟؟ .. وهل قصر برزان قد بناه شيوخ آل على ، وبأنه يرجع تاريخه كما يقول بعض آل علي إلى عهد قديم جدا قبل ظهور آل سعود بالدرعية ؟؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الخلافية برجاء تنويرنا حيالها ولكم جزيل الشكر وتقبلوا تحياتي ..
.وثيقة قديمة تكشف بوضوح تبعية ابن علي للإمام ابن سعود
.وثيقة قديمة تكشف بوضوح تبعية ابن علي للإمام ابن سعود
عدل سابقا من قبل هايدي نت في الخميس فبراير 13, 2014 5:11 pm عدل 2 مرات
دنهوش- عضو فضائي
- عدد المساهمات : 231
نقاط : 578
تاريخ التسجيل : 08/10/2011
رد: خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
شكرا عزيزي طش طاش على مشاركتك القيمة والمتمثلة في هذا السرد التاريخي الموفق والموضوعي عن حقائق الواقع الاجتماعي في ناحية جبال شمر شمالي نجد ذات التاريخ المجيد والعريق ، وبالمناسبة فإنني أود أن تسمح لي بالإجابة على أسئلة الأخت هايدي كوني من أبناء عمومة أسرة آل علي الأفاضل :
ما أصل مشيخة آل علي ؟
أسرة آل علي من آل جعفر من الضياغم (شمر القحطانية) وكانوا من الحضر المستقرين في (قرية حائل) ولم يكن هنالك مشيخة للحضر على الإطلاق ، فالمشيخة ترتبط بالعرف القبلي وبحياة البداوة ، أما كبير القرية حينها فيسمى أميرا ، على أنه المسئول عن شئون القرية أم شيخ القبيلة العرفي ، حيث تقع القرى ضمن سيادة القبيلة (شمر) المسيطرة ، ولذلك نجد أن أول من أطلق عليه هذا اللقب مجازا كان الشيخ ابن حميان ، كونه قد صاهر الشيخ الجربا ، وحصل منه على عدد من الإبل وانتقل إلى حياة البداوة بجوار أصهاره ، ولم يكن في عموم عشيرة عبدة مشيخات عرفية ، ونجد كل من أطلق عليهم لقب شيخ منها كان ذلك مرتبطا بظروف معينة ، وذلك حتى يومنا هذا ،..
متى وكيف جاءت مشيختهم وبداية عهدهم ؟
كانت السيادة في جبال شمر لشيوخ آل بقار من آل بعير وهم من شمر الطائية التي لها السيادة من ما قبل الإسلام ، وقد تضخمت مشيختهم حتى صارت نوعا من الحكم العرفي الذي له سيادة قبلية وسيادة مكانية وطنية ، والدليل قصورهم التاريخية في جو وقفار وغيرها ، وكان لمفهوم الشيخة العرفية حينها معنى ساميا ومكانة سيادية عالية ، وعندما ظهرت الدعوة الوهابية ، خلعت هذا المفهوم (شيخ) على علماء الدين ، مع عدم الاعتراف بالشيوخ القبليين وتكفيرهم ..
في العقد الأخير من القرن الثاني عشر الهجري ، فإن مجموعة من أهل قرية حائل ومن بينهم محمد بن عبد المحسن نجدهم قد اتصلوا بالدعوة الدينية بالدرعية ودرسوا الفقه الشرعي وأطلق عليهم لقب مشائخ أو شيوخ شرعيين ، وقد عادوا إلى حائل وأسسوا كتابا ومكتبة ونزل لطلاب العلم وأصبحوا مركزا لأنصار الدعوة الجديدة ...
هل كان ابن علي منصوبا للإمام ابن سعود أم أنه مستقل في ناحية جبال شمر ؟ وبأنهم فقط متحالفين مع الإمام ؟؟
كان الحكم في جبال شمر لشيوخ ال بقار في قفار ، وكانت الراية المرفوعة حينها هي راية شمر ، ولكن وبسبب انتشار الدعوة دبت فيهم فتنة ال أسلم الكبرى خاصة بين شيوخ آل بعير ، وتم اغتيال الشيخ الجليل كريم سبلا ، واهتز عرشهم وبرزت بعض القيادات التعويضية مثل الشيخ الجربا والطواله والصديد والتمياط ..الخ .
وفي حدود عام (1205هـ) هددهم جيش الدعوة بقيادة (سعود بن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود) في وقت كانوا فيه شتى ، وهنا فقد انقسموا إلى جناحين هما : جناح الصايح مع الدعوة ، وجناح الشيخ مطلق آل جربا ، وهذا نجده قد وقف في الطرف المناوئ للدعوة ، وقد التقى الجمعان في موقع (العدوة) شمالي (جبل سلمى) فكان الأول : يتمثل بقوات الإمام بن سعود ، مدعومة بجناح الصايح من شمر ، أما الثاني : فيتمل في القوة العسكرية التي حشدها (الشيخ آل جربا) وقد انتهت المعركة بمقتل (الشيخ آل جربا) وهزيمة أنصاره وتفرقهم ، وهجرة غالبيتهم إلى العراق ، بمن فيهم غالبية (آل بعير)..
وهكذا فإنه بسقوط حكم آل بقار ، وبهزيمة الشيخ آل جربا ورحيله ومن معه ثم من لحقوا به من شيوخ آل بعير وآل صديد ، فقد تفككت قبيلة شمر ككيان سياسي عرفي له نظامه ورايته وسلطته المشرفة ، وحيث قد تحقق النصر في معركة العدوة لجيش الدعوة الدينية التي تناصب البداوة والقبلية العداء ؛ فقد عمد الإمام المنتصر إلى تفويض رجل من أنصاره الحضر ، فجاء اختياره لشيخ العلم الشرعي (محمد بن عبد المحسن بن علي) مع مجموعة نظراء يشاركونه في أمر رعاية البلاد والعباد في هذا الإقليم ، ولكونه منصب غير قبلي فقد أطلق عليه مسمى (شيخ الجبل) وهكذا فقد تم نقل مركز السلطة من (مدينة قفار) العامرة ، إلى الموقع المسمى حاليا (مدينة حائل) وكانت قرية صغيرة حينها ، وعندما ظهر ضعفه أمام سطوة شيوخ القبيلة وخاصة من بقي من شيوخ آل بعير وابن طواله والصديد ، وحيث وجد الإمام فيصل في (عبد الله بن رشيد) الرجل المناسب للإمارة فقد عزل خلفه (صالح بن عبد المحسن) وعين هذا الأخير محله وذلك في حوالي عام (1251هـ).
وهل (قصر برزان) قد بناه شيوخ آل على أم أمراء آل رشيد ؟
قبل عزل ابن علي بفترة أمر الإمام ببناء قصر للحكم في حائل وقد بدأ ابن علي ببناء القصر (برزان) وقبل نهاية التشييد عزل ابن علي وتولى الحكم ابن رشيد وعندها تم إتمام بناء القصر وأصبح مقرا لحكم آل رشيد حتى سقوط إمارتهم ومن ثم تم هدمه واستبداله بمواقف ومحلات تجارية في قلب حائل ...
أرجو أن أكون قد أجبت عن تساؤلاتك أخت هايدي بحيادية وموضوعية ، والله الموفق... والسلاااام .
ما أصل مشيخة آل علي ؟
أسرة آل علي من آل جعفر من الضياغم (شمر القحطانية) وكانوا من الحضر المستقرين في (قرية حائل) ولم يكن هنالك مشيخة للحضر على الإطلاق ، فالمشيخة ترتبط بالعرف القبلي وبحياة البداوة ، أما كبير القرية حينها فيسمى أميرا ، على أنه المسئول عن شئون القرية أم شيخ القبيلة العرفي ، حيث تقع القرى ضمن سيادة القبيلة (شمر) المسيطرة ، ولذلك نجد أن أول من أطلق عليه هذا اللقب مجازا كان الشيخ ابن حميان ، كونه قد صاهر الشيخ الجربا ، وحصل منه على عدد من الإبل وانتقل إلى حياة البداوة بجوار أصهاره ، ولم يكن في عموم عشيرة عبدة مشيخات عرفية ، ونجد كل من أطلق عليهم لقب شيخ منها كان ذلك مرتبطا بظروف معينة ، وذلك حتى يومنا هذا ،..
متى وكيف جاءت مشيختهم وبداية عهدهم ؟
كانت السيادة في جبال شمر لشيوخ آل بقار من آل بعير وهم من شمر الطائية التي لها السيادة من ما قبل الإسلام ، وقد تضخمت مشيختهم حتى صارت نوعا من الحكم العرفي الذي له سيادة قبلية وسيادة مكانية وطنية ، والدليل قصورهم التاريخية في جو وقفار وغيرها ، وكان لمفهوم الشيخة العرفية حينها معنى ساميا ومكانة سيادية عالية ، وعندما ظهرت الدعوة الوهابية ، خلعت هذا المفهوم (شيخ) على علماء الدين ، مع عدم الاعتراف بالشيوخ القبليين وتكفيرهم ..
في العقد الأخير من القرن الثاني عشر الهجري ، فإن مجموعة من أهل قرية حائل ومن بينهم محمد بن عبد المحسن نجدهم قد اتصلوا بالدعوة الدينية بالدرعية ودرسوا الفقه الشرعي وأطلق عليهم لقب مشائخ أو شيوخ شرعيين ، وقد عادوا إلى حائل وأسسوا كتابا ومكتبة ونزل لطلاب العلم وأصبحوا مركزا لأنصار الدعوة الجديدة ...
هل كان ابن علي منصوبا للإمام ابن سعود أم أنه مستقل في ناحية جبال شمر ؟ وبأنهم فقط متحالفين مع الإمام ؟؟
كان الحكم في جبال شمر لشيوخ ال بقار في قفار ، وكانت الراية المرفوعة حينها هي راية شمر ، ولكن وبسبب انتشار الدعوة دبت فيهم فتنة ال أسلم الكبرى خاصة بين شيوخ آل بعير ، وتم اغتيال الشيخ الجليل كريم سبلا ، واهتز عرشهم وبرزت بعض القيادات التعويضية مثل الشيخ الجربا والطواله والصديد والتمياط ..الخ .
وفي حدود عام (1205هـ) هددهم جيش الدعوة بقيادة (سعود بن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود) في وقت كانوا فيه شتى ، وهنا فقد انقسموا إلى جناحين هما : جناح الصايح مع الدعوة ، وجناح الشيخ مطلق آل جربا ، وهذا نجده قد وقف في الطرف المناوئ للدعوة ، وقد التقى الجمعان في موقع (العدوة) شمالي (جبل سلمى) فكان الأول : يتمثل بقوات الإمام بن سعود ، مدعومة بجناح الصايح من شمر ، أما الثاني : فيتمل في القوة العسكرية التي حشدها (الشيخ آل جربا) وقد انتهت المعركة بمقتل (الشيخ آل جربا) وهزيمة أنصاره وتفرقهم ، وهجرة غالبيتهم إلى العراق ، بمن فيهم غالبية (آل بعير)..
وهكذا فإنه بسقوط حكم آل بقار ، وبهزيمة الشيخ آل جربا ورحيله ومن معه ثم من لحقوا به من شيوخ آل بعير وآل صديد ، فقد تفككت قبيلة شمر ككيان سياسي عرفي له نظامه ورايته وسلطته المشرفة ، وحيث قد تحقق النصر في معركة العدوة لجيش الدعوة الدينية التي تناصب البداوة والقبلية العداء ؛ فقد عمد الإمام المنتصر إلى تفويض رجل من أنصاره الحضر ، فجاء اختياره لشيخ العلم الشرعي (محمد بن عبد المحسن بن علي) مع مجموعة نظراء يشاركونه في أمر رعاية البلاد والعباد في هذا الإقليم ، ولكونه منصب غير قبلي فقد أطلق عليه مسمى (شيخ الجبل) وهكذا فقد تم نقل مركز السلطة من (مدينة قفار) العامرة ، إلى الموقع المسمى حاليا (مدينة حائل) وكانت قرية صغيرة حينها ، وعندما ظهر ضعفه أمام سطوة شيوخ القبيلة وخاصة من بقي من شيوخ آل بعير وابن طواله والصديد ، وحيث وجد الإمام فيصل في (عبد الله بن رشيد) الرجل المناسب للإمارة فقد عزل خلفه (صالح بن عبد المحسن) وعين هذا الأخير محله وذلك في حوالي عام (1251هـ).
وهل (قصر برزان) قد بناه شيوخ آل على أم أمراء آل رشيد ؟
قبل عزل ابن علي بفترة أمر الإمام ببناء قصر للحكم في حائل وقد بدأ ابن علي ببناء القصر (برزان) وقبل نهاية التشييد عزل ابن علي وتولى الحكم ابن رشيد وعندها تم إتمام بناء القصر وأصبح مقرا لحكم آل رشيد حتى سقوط إمارتهم ومن ثم تم هدمه واستبداله بمواقف ومحلات تجارية في قلب حائل ...
أرجو أن أكون قد أجبت عن تساؤلاتك أخت هايدي بحيادية وموضوعية ، والله الموفق... والسلاااام .
وهاج شمر- عدد المساهمات : 8
نقاط : 12
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
رد: خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
وبالمناسبة فإني أود الإشارة إلى وجود شلة أوغاد سفهاء يحاولون تشويه تاريخ هذه الأسرة الطيبة في الحديث المبالغ فيه والممجوج عما يسمونها بدولة شمر الأولى ، وكأن قبلهم لا توجد زعامة وسلطة في شمر تمتد آلاف السنين ، ونجدهم يلفقون تاريخا مفبركا يدعون فيه بأن تاريخ سلطة آل علي تمتد عقودا طويلة قبل آل سعود ، هنا فقط أسئلهم سؤالا واحدا أين كان موقف آل علي في الانقسام الذي حصل والذي حسم أمره في معركة العدوة ؟!!!! هل يعقل بأن يكون لهم شأنا يذكر في المنطقة ولا يكون لهم موقف من القوة التي كانوا يناصرونها ؟؟ لا يعقل أبدا ولكن السر يكمن في أنه لم يكن لهم شأنا حينها وكانت الراية لابن بقار والقيادة موزعة بين عدة شيوخ ليس من بينهم شيخ العلم الشرعي محمد بن عبد المحسن .. علما بأن أفاضل هذه الأسرة يأنفون بما يلفق لهم الملفقون في مواقع النت وبعض الموسوعات مثل الويكيبيديا والمعرفة وغيرهما ...
وهاج شمر- عدد المساهمات : 8
نقاط : 12
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
رد: خلاصة القول المسنود عن : واقع جبال شمر(منطقة حائل) من (آل بعيِّـر) وحتى (آل سعود) :
وحول مشيخة وراية عموم شمر :
توجد هنالك في فروع قبيلة شمر الكثير من المشيخات القديمة والحديثة ، أما قيادة وراية عموم شمر فقد رفعها في الأصل أسلاف آل بعير ، كراية إلزام ، وذلك لتكوين (حلف شمر) ضد باقي فروع قبيلة طيء ، عندما تنازعوا على السيادة في بلاد طيء ، وقد كتب النصر لهذه الراية وحلت العديد من الكسائر الحربية في أضدادها وتم ترحيلهم ، وقد سادت حينا يتوارثها شيوخ آل بقار من آل بعير ، إلى أن حصلت الفتنة فيما بينهم وسقط حكمهم ورايتهم ، لاسيما بعد معركة العدوة ، حيث استبدلت براية الجبل تحت مشيخة آل علي ثم آل رشيد ...وهكذا نجد أن راية عموم شمر في نجد قد ارتبطت بشيوخ آل بعير وسقطت بسقوطهم ..
وحيث قد هاجر أغلب القبيلة إلى العراق بعد معركة العدوة ثم لحق بهم الكثير بعد ذلك فقد تبلورت قيادة عامة للقبيلة في العراق تمثلها مشيخة الجربا ، وعدا هاتين القيادتين فلم توجد يوما ما قيادة وراية واحدة لعموم القبيلة ..
يحضرني هنا أ، قول حد الشعراء وهو يرد على من يتجادلون ويتخاصمون حول مشيخات شمر بقوله :
يـــا الـربــع خـوذوهــا بـكـلـمـة قـصـيــره
بـــــلا مــزايـــد دون مـقــيــاس وعْــيـــار
فـــي شـمــر الأولــــى بـنـجــد الـجـزيــره
شيوخ آل بعَيِّر ما أحـدٍ فوقهـم صـار
بـأيــام ابـــن بـقــار مــــا شـيـخ غــيـره
مـن قبـل قصـر الشيـخ بالـدار ينهـار
أمــام دعـوة كــاســريـــن الـجــبــيــره
علـى شيـوخ العـرف فيهـا الزمـن دار
تــبــدلــت فــــــي كـل شـره وخـــيـره
وتحولـت والـرأس خلـف الذنـب صـار
والأولـــة فـــي نـجــد لا قت مـصـيــره
وقامت على الجربان بأكناف سنجار
فــي نـجـد ابــن بـقـار شـاعــم سـعـيـره
ومن بعده الجربـا استلـم جـذوة النـار
شـيـخ الـشـيـوخ الـلــي يـجــر الـجـريـره
بـالـرافـديــن الـشـمــريــة لـــهـــا الـــكـــار
أما (شيوخ الختم) فينا كثيرة
يا كثرهم بالعد من دون تعبار
(شيوخ البشوت) بزريها مع زريره
أهل الهياط الفوش بالفشر وفْشار
يتشرفون بخدمة أمر الأميرة
ومن حين ما تقول له: دوْر ؛ يندار
يخاف يفقد قطرة من دريره
أو إنها تصفق بختمه على جدار
وتروح فيها شيخته بتْعَميره
ويعود للماضي كما كان حمَّار
......
........
بـــــلا مــزايـــد دون مـقــيــاس وعْــيـــار
فـــي شـمــر الأولــــى بـنـجــد الـجـزيــره
شيوخ آل بعَيِّر ما أحـدٍ فوقهـم صـار
بـأيــام ابـــن بـقــار مــــا شـيـخ غــيـره
مـن قبـل قصـر الشيـخ بالـدار ينهـار
أمــام دعـوة كــاســريـــن الـجــبــيــره
علـى شيـوخ العـرف فيهـا الزمـن دار
تــبــدلــت فــــــي كـل شـره وخـــيـره
وتحولـت والـرأس خلـف الذنـب صـار
والأولـــة فـــي نـجــد لا قت مـصـيــره
وقامت على الجربان بأكناف سنجار
فــي نـجـد ابــن بـقـار شـاعــم سـعـيـره
ومن بعده الجربـا استلـم جـذوة النـار
شـيـخ الـشـيـوخ الـلــي يـجــر الـجـريـره
بـالـرافـديــن الـشـمــريــة لـــهـــا الـــكـــار
أما (شيوخ الختم) فينا كثيرة
يا كثرهم بالعد من دون تعبار
(شيوخ البشوت) بزريها مع زريره
أهل الهياط الفوش بالفشر وفْشار
يتشرفون بخدمة أمر الأميرة
ومن حين ما تقول له: دوْر ؛ يندار
يخاف يفقد قطرة من دريره
أو إنها تصفق بختمه على جدار
وتروح فيها شيخته بتْعَميره
ويعود للماضي كما كان حمَّار
......
........
وهاج شمر- عدد المساهمات : 8
نقاط : 12
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
مواضيع مماثلة
» من مشاهير [جبال شمر] (منطقة حائل)
» مطالعات حول منطقة حائل ـ جبال شمر
» الأثار والسياحة في جبال شمر (منطقة حائل)
» من قرى منطقة حائل
» المواقع الأثرية في حائل ـ جبال شمر
» مطالعات حول منطقة حائل ـ جبال شمر
» الأثار والسياحة في جبال شمر (منطقة حائل)
» من قرى منطقة حائل
» المواقع الأثرية في حائل ـ جبال شمر
ألف ياء نت :: منتديات ألف ياء نت :: ألف ياء الأحداث والشخصيات التاريخية والمعاصرة :: ألف ياء الأحداث التاريخية والمعاصرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى